TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عن السيرة

عن السيرة

نشر في: 15 يونيو, 2016: 03:32 م

2-2

تلعب العوامل النفسية دوراً هاماً في جذب القرّاء لمثل هذا النوع من القصص ، واكثر ميكانزم نفسي يشدّنا للمتابعة هو الرغبة في التماهي او القدرة على التعاطف مع ابطال القصة . وان نتعاطف مع شخص ما يعني اننا اصبحنا نشاركه همومه وأحلامه وأهدافه ومخاوفه ونقاط قوته وضعفه ، اي بمعنى آخر صرنا نقوم مقامه . يظهر هذا التاثير من خلال الفيلم الذي يؤرخ لحياة هتلر " صعود الشر the rise of evil " ، فبالرغم من ان البطل هو نفسه في الجزءين الا ان اغلب من شاهدوا الفلم أجمعوا على أنهم أحبوا الجزء الاول اكثر من الجزء الثاني للفيلم ، وهو في اعتقادي بسبب ان الجزء الاول يصور حياة الكفاح والبؤس والإيمان الحقيقي لهتلر بقضيته وتفانيه في سبيل مبادئ الحزب وهو ما يثير في داخلنا مشاعر الحماسة والصدق وذكريات المعاناة التي عشناها سعيا وراء أحلامنا الضائعة والقادمة ، الامر الذي يجعلنا نتمناها بسهولة مع هتلر . اما الجزء الثاني فيصور الوجه الآخر لهذه الشخصية المركّبة بما تصوره من بشاعة انحرافاته وقسوته وميله للشك والخديعة والغدر في سبيل أوهامه العنصرية ، ما يجعل التماهي معه صعباً.
قصة اخرى تسلط الضوء على قضيتنا هي " حياة باي the life of pi " ، وهي تصور قصة حياة "باي" الهندي الاصل الذي يروي قصته بنفسه وكيف ان الظروف ادت به الى ان يكون وحيدا في البحر مع نمر مفترس ، وهنا يعطينا باي بطريقة سرده احتمال نسختين من القصة ذاتها لكيفية نجاته من الموت . الا ان احدى النسختين تمثل بشاعة الجنس البشري بينما الاخرى تروي كيف ان الأمل والإيمان ينجيانه في النهاية . والبديع في القصة ان طريقة السرد لا تترك مجالا للشك في أيهما ممكن ان تكون القصة الحقيقية ، فكلاهما وراد الحدوث وممكن وعلى القارئ ان يختار ايهما حصل بالفعل .
وعلى ما يبدو فإن ما يشدّنا هي قصة الصراع الداخلي فكلتاهما تمثل قصة حياة ممكنة ، إلا أن إحداهما تصور حياة عبثيّة بلا معنى بينما الاخرى مبهجة ورائعه ، فلمَ يختار الانسان ان يعاني اذا كان بإمكانه ان يعيش آمناً وراضياً عن نفسه حتى عندما لا يملك الدليل على صحة او بطلان ما يعيشه . وهذا بالضبط ما يشدنا الى باي فهو مثله مثل اي شخص عادي يختار ان يعيش بأمل على ان يكون ضائعاً وبلا مصير.
وعلى ما يبدو فإن الإشارات اللاواعية التي تمنحها قصص السير الذاتية هي اكثر ما يجذب القراء بما تمنحه لهم من احاسيس تثيرها في داخلهم قوة الكلمات والاحداث المحفورة في ادمغتهم مسبقا منذ ان كانوا صغارا . من هنا كانت التناقضات مصدر اهتمام واثارة ، فالشيء الذي يبدو في ظاهره مرعباً يكون هو نفسه السبب وراء استمرار حياة شخص، وهذا ما نشهده في قصة باي الذي يقذفه القدر في قارب نجاة وحيداً مع نمر مفترس . وبالرغم من بشاعة الموقف إلا أن نجاح باي في ترويضه يمنحه الثقة في مواجهة خطر الموت من الجوع والعطش وحيدا في البحر، فما دام قادرا على ترويض نمر فهو قادر على مغالبة الموت .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram