كنت ولا أزال أقول وأكتب دائماً : إن الصمت عن الخراب الذي حل بالعراق ، شراكة في المسؤولية تتحملها جميع القوى السياسية ، لأن مصائر البلدان لا يمكن أن تُترك لنهّازي الفرص من النواب الذين اكتشفوا بعد " خراب البصرة " فجأة أن لامحاصصة بعد اليوم .
إنّ أفظع ما يدور من جدل مخجل ، هو أن الجميع يتساءل: من يقف وراء الخراب الذي حل بنا ، ومن صنعه ، ويضحك ذوو الإجابة " الجاهزة " ويقولون مع ابتسامة " ساحرة " : طبعا الامبريالية ووراءها الصهيونية ، ومثل هؤلاء هم الذين صفقوا لشعارات السيادة ، واعتقدوا انها ستنقذنا من الفقر والقتل والجهل ، هؤلاء يرون في خطب الفتلاوي " التوازنية " علاج لأمراض هذه البلاد .
لقد عشنا خلال الاشهر الماضية في جدل مثير حول الاحتجاجات ، والاصطفافات السياسية ، وتداول العراقيون في الفيسبوك مصطلح الدولة المدنية وكلمة العلمانية ، كلاّ حسب مزاجه وتفسيره ومقاسه ، ووصل الامر أن تم تبادل الاتهامات بخيانة الاحتجاجات ، ولكلّ الاطراف مبرراتها وحججها ، إلّا ان الجدل الأهم كان في الصبغة التي اراد البعض ان يطلقها على هذه الاحتجاجات ، هل هي التظاهرات يقوم بها التيار المدني ، الذي لايملك سوى اصوات تنادي بالاصلاح ، أم التيار الصدري الذي يشكّل ثقلا كبيرا في الشارع العراقي، وله قاعدة سياسية متمثلة بنواب ووزراء ووكلائهم وعشرات اصحاب المناصب الخاصة
نتذكر جميعا ان العراقيين خرجوا عام 2011 بالآلاف في ساحات الوطن احتجاجا على الفساد الذي ضرب جذوره في هذه الارض ، وللمطالبة بإجراء تغيير سياسي شامل يعيد للمواطن كرامته وحقوقه التي أُهدرت ، ونتذكر جميعا ان كل احزاب السلطة آنذاك اصطفت لإفشال التظاهرات وتشويه صورتها ، ولا أُريد أن أُعيد على مسامعكم المقولات الشهيرة لنواب هم الآن يقودون جبهة الإصلاح ، وكيف اتهموا المتظاهرين آنذاك بأنهم ينفذون أجندة " بعثية " ، بل إن البعض من هذه الاحزاب كانت تعيب على المدنيين انهم ينادون بدولة " مدنية " التي هي بشرع الاحزاب الدينية كفر وفسوق .
السجال الدائر اليوم حول التظاهرات ، يذكّرني بقصة شهيرة بطلها المفكر المصري أحمد لطفي السيد الذي قرر ان يرشح للانتخابات ، فوجد نفسه أمام منافس ، هو رجل ثري ، كان يردد امام الناخبين لطفي السيد لايصلح لتمثيلهم لأنه ديمقراطي ، وسألوه ماذا يعني ديمقراطي ، قال انه يبيح أن تُعدّد المرأة أزواجها ، فأنكر الناس هذه الديمقراطية ، وذهب البعض منهم للتأكد بانفسهم من صحة ما سمعوه ، فسألوا لطفي السيد هل صحيح أنت ديمقراطي ؟ فابتسم الرجل وقال : نعم أنا ديمقراطي وأفخر بديمقراطيتي ، فخرج الناخبون وهم يصرخون " روح بعيد ، الله لايوفقك ياديمقراطي !"
" روح بعيد " ياديمقراطي
[post-views]
نشر في: 15 يونيو, 2016: 06:55 م