تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورة بروفسور الفيزياء الطبيب العراقي ورئيس قسم الفسلجة الطبية في كلية الطب بجامعة البصرة الدكتور علي الهاشمي وهو يفترش الارض واضعاً كفه على خـدِّه بانتظار صرف راتبه التقاعدي ...أثارت الصورة استهجان المتابعين لما يطال كفاءاتنا العلمية من استخفاف بعد أن يمنحوا عصارة عمرهم للعلم وللطلبة ثم يجدون انفسهم مهملين من الدولة ولا يتبق لهم لدى الحكومة سوى راتب تقاعدي يعانون لأجل الحصول عليه ..
وقبل فترة ، تفاعل العديد من المشاهدين مع دموع العالِم العراقي الذي لم يتوقف عن البكاء وهو يقف في شارع المتنبي ليبيع مكتبته ..كان يشعر بمرارة من يبيع أطفاله ..لكنه باعها من أجل تأمين مبلغ هو بأمسِّ الحاجة إليه !!
في عام 1979،تسلّم العراق خمس جوائز من اليونسكو بعد ان استطاع ان يخفض نسبة الأمية ما دون 10% متفوقاً على دول مثل اليابان وكوريا الشمالية وسنغافورة واسبانيا والصين ، ومن بين تلك الجوائز الخمس جائزة افضل تعليم في جنوب آسيا والشرق الاوسط ..وبعد سنوات حاز عالم الاجتماع الدكتورالراحل احسان محمد الحسن على جائزة نوبل ما جعله هدفا للقتل على يد تنظيم القاعدة. وتمر السنوات وتظهرمواقع التواصل الاجتماعي لنتعرف من خلالها على مواهب وكفاءات عراقية نادرة تناثرت في مختلف دول العالم كالطالب الذي حاز على لقب (اينشتاين العراق ) والطالب البصري الذي حاز على لقب الطالب الأبرز في جامعة أريزونا الاميركية في قسم الهندسة المدنية ، عدا العديد من الاسماء العراقية التي لمعت في سماء العلم والأدب والفن وتركت آثاراً لا يمكن تجاهلها من كتب وبحوث ودراسات واعمال أدبية وفنية نفيسة ..
نحن نفخر بعراقيتنا وحين يرد اسم العراق في محفل عربي او عالمي نهتز طرباً وزهواً لكننا لم نحظَ بحكومة تحترم الانسان العراقي كقيمة عُليا ، فتعامل الكفاءات العلمية بما تستحق وتمنحها ما يحفظ لها مكانتها بعد التقاعد..الغريب ان سن التقاعد في العراق يعني نهاية الإبداع وبداية العــد التنازلي للرحيل عن العالم ، أما في بقية دول العالم فهو مرحلة يخلد فيها المتقاعد للراحة والتأمل أو السفر وممارسة هواياته التي ربما أبعده العمل عنها ..ففي اليابان التي صُنِّفت مؤخراً كواحدة من افضل الدول في مجال التعليم قال رئيس الوزراء: إن السرَّ يكمن في ان الحكومة اليابانية منحت المعلم راتب وزير وحصانة ديبلوماسي واجلال امبراطور ... كيف لا يمنحها إذن عصارة علمه واخلاصه وولائه لرسالته العلمية طالما يُدرك أن الدولة لن تتخلى عنه يوما ..في ما يخصنا ، اعتدنا ان نمنح الرواتب العالية للوزراء والمسؤولين والحصانة للنواب والاجلال للحكومات بينما تمنحنا بالمقابل فقراً وذلاً وتهميشاً ونهايات مفجعة !!
وبينما يغادر المسؤولون الجهلة مقاعدهم تاركين وراءهم ركاماً من الفساد النتن ليستمتعوا بعده برواتبهم التقاعدية الضخمة ، يواصل العلماء العراقيون تقديم رسالتهم لطلبتهم باخلاص ووفاء للعلم والعراق ، وبعد ان يغادروا مواقعهم ، سيفترشون الارض كما فعل البروفسور الهاشمي بانتظار الراتب التقاعدي او يغادروا البلد ليبحثوا في اماكن اخرى عن (قيمة الإنسان)....
نهايات مُفجِعة
[post-views]
نشر في: 17 يونيو, 2016: 09:01 م