هل يكفي أن يُعبّر أحدُنا عن فرحه بالنصر في الفلوجة؟ بقوله: مبارك لقواتنا وجيشنا وشرطتنا وحشدنا النصر؟ هل يكفي قولنا: إن داعش انهزمت الى غير رجعة في العراق وستنهزم في سوريا والمنطقة بأجمعها على يد العراقيين؟ الكثير من الأسئلة هذه لا يكفي لكي نتوازن وطنياً وعراقياً، ذلك لأن حياة جديدة ستكون بمتناولنا، نحن العراقيين خلال السنوات المقبلة، إنْ أحسنا التعامل معها ومع المعطيات التي ستتخلق جرّاء النصر العظيم هذا.
أتحدثُ عن لحظة عراقية بامتياز، لحظة فاصلة بين أن نكون أو لا نكون، صنعها زمن عراقي خالص، وبأيدٍ عراقية خالصة. لكن اللحظة هذه عرضة للتراجع والذوبان، مثلما تراجعت وذابت لحظة أحمد أبو ريشة يوم طرد القاعدة والزرقاوي ورقص مع رجاله رقصة الغربية والدليم الشهيرة (الجوبي) فرحاً بما تحقق آنذاك. تُرى كيف يمكننا الاحتفاظ باللحظة العظيمة هذه؟ ولماذا الخوف من تكرار لحظة أبي ريشة تلك؟
لقد أفسد انتصار القوات الأمنية العراقية بقيادة رئيس الوزراء بوصفه القائد العام للقوات المسلحة في معركة الفلوجة لحظة شماتة عزت الشابندر، التي اتهم العبادي فيها بالعجز والضعف والخور، لكن الانتصار هذا كشف عن حقيقة أخرى، ألا وهي عجز وضعف وخور المالكي، الذي ضاعت في حقبة حكمه عشرات المدن العراقية، تُرى، هل تسمح اللحظات المتشابكة هذه لنا، لنتحدث عن نقاط القوة التي قادت العبادي الى النصر، لكي يمكننا أن نتحدث عن الأخطاء القاتلة التي قادت المالكي الى الهزيمة.
لن نتحدث عن العسكر والزعامة العسكرية والتجيشش فهذا من شأن الباحثين فيه، لكننا نجد الوقت مناسبا لنتحدث عن الحنكة في السياسة ومحاولات رأب الصدع التي مارسها العبادي في واحدة من أخطر المواجهات المدنية والعسكرية، ولا أظن الرجل إلا مستمعاً دقيقاً لأصوات الوطنية والعراقية الخالصة، التي قال بها الناصحون له، بل لا أظنه إلا مصغياً بدقة، ومتعاملاً بحكمة، مع حلفائه في الداخل والخارج، وسواء أقضت السياسة الدولية والاميركية بشكل خاص، بانتهاء مرحلة داعش في العراق وسوريا أم لم تقض، علينا القول بأن العبادي استطاع جمع واستمالة ألدّ عدويين( أميركا وإيران ) على أرض العراق، وإدخالهما لصالح حربه مع داعش.
ما يهمنا في الورقة هذه، هو كيف سيتعامل العبادي وحكومته المضطربة مع مدينة الفلوجة بواقعها الجديد، أي ما بعد داعش؟ مع يقيننا بان الآلاف من رجالها متهمون بموالاة داعش، والقبول بحكمها كواقع حال، في أقل تقدير، ذلك لأن رفض نمط الحكم يعني القتل هناك. نجد أن السيد العبادي ملزم بالاصغاء ثانية وثالثة ورابعة إلى حلفائه في الداخل والخارج. ذلك لأننا لا يمكننا أن نتحدث عن فلوجة بغير سنّية مطلقة، مثلما لا يمكننا الحديث عن كربلاء أو نجف بغير شيعية مطلقة. ولا يظنن أحد ٌ أنَّ مهمة التحام وضم المدينة الى الجسد العراقي سهلة يسيرة، فالتراب هناك عُمّد بالدم، وأيّ دم؟
لا نستعجل للرجل المشورة، لكننا لا نجد الحلول الممكنة والاكيدة للمشكلة هذه مع بقاء مشهد الدولة العراقية بما هي عليه اليوم، فالاحزاب الطائفية التي قطّعت ومزقت الهوية الوطنية وثقافة الكراهية المتبادَلة بين الطائفتين ومنطق البعض في أحقية الخروج من الجنة ووجوب الخلود في النار بحسب المعتقد والطائفة والسلاح خارج عصمة الدولة والتضييق في الحريات المدنية والتدخلات الخارجية والفساد ووو، عوائق ومستحيلات ستعترض طريق التحام الفلوجة والموصل والرمادي بالجسد العراقي الذي خرج من غرفة الإنعاش قبل لحظات.
تحرير الفلوجة الجسد العراقي يخرج من الانعاش
[post-views]
نشر في: 18 يونيو, 2016: 09:01 م