TOP

جريدة المدى > عام > في روايتهاالجديدة(عُشّاقٌ وفونوغرافٌ وأزمنة) الصادرةعن(المدى): لطفيةالدليمي تحكي سيرةعائلةالكتبخاني

في روايتهاالجديدة(عُشّاقٌ وفونوغرافٌ وأزمنة) الصادرةعن(المدى): لطفيةالدليمي تحكي سيرةعائلةالكتبخاني

نشر في: 20 يونيو, 2016: 03:01 م

عن دار المدى صدرت حديثاً رواية ( عشاق  وفونوغراف  وأزمنة )  للروائية لطفية الدليمي بِـ ( 590 ) صفحة بعد بضع سنوات من صدور روايتها ( سيدات زحل ) التي لاحقت الوجع العراقي عبر العصور وصولاً الى عام 2008 . تختلف الرواية الجديدة اختلاف

عن دار المدى صدرت حديثاً رواية ( عشاق  وفونوغراف  وأزمنة )  للروائية لطفية الدليمي بِـ ( 590 ) صفحة بعد بضع سنوات من صدور روايتها ( سيدات زحل ) التي لاحقت الوجع العراقي عبر العصور وصولاً الى عام 2008 .

 تختلف الرواية الجديدة اختلافاً نوعياً عن الأعمال السابقة للكاتبة  بدءاً من ضخامة حجم العمل مع تعدد مستوياته وتميّز لغته  بوضوحها ونغمتها الموسيقية اللافتة وتفرد أسلوب السرد وتعالق  أصوات الرواة على امتداد الأزمنة . سنكتشف ونحن نمضي في قراءة الرواية أننا إزاء روايتين متداخلتين تحكيان عن فترات زمنية متعاقبة من سيرة عائلة ( الكُتُبخاني ) : رواية أولى تجري وقائعها في عراق بدايات القرن العشرين في حقبة أفول الهيمنة العثمانية وانحلال الامبراطورية وفترة الاحتلال البريطاني وتشوش الأوضاع وتداخل المصالح وتضاربها ، ورواية ثانية تلاحق سليلي تلك العائلة في حقبة مابعد الاحتلال الأمريكي 2003 ، وتشكّل الوقائع العامة إطاراً خارجياً  يحتضن  حيوات  أبطال الرواية .

رواية جيليّة
يمكننا وصف الرواية بأنها رواية ( جيلية ) تروي أحوال أربعة أجيال من عائلة متنفذة كانت عوناً للمحتلين الذين تعاقبوا على العراق وحازت على الثروة والجاه وتصدرت مواقع سياسية واجتماعية في كل عصر ، وتعتمد الرواية الجيلية هنا أنماطاً روائية مختلفة ؛ إذ يمكن توصيفها بأنها رواية ( معرفية ) استطاعت تطويع حشد من المعلومات العلمية والفلسفية والفنية للمتطلبات الروائية دون إخلال بسلاسة السرد الروائي ومتعة التخييل فاغتنى العمل بتفاصيل تأريخية ومجتمعية واقتصادية وعلمية عززت السرد المركّب المشحون بدراما الوقائع والحروب والعلاقات الانسانية المعقدة في محاولة إضاءة أحوال المجتمع العراقي المرتبكة وكشف تناقضاتها والعوامل الأساسية الكامنة والمعلنة التي أفضت إلى هذا الخراب العراقي المستديم في حاضر البلاد .

صبحي إسماعيل الكُتُبخاني : ليبرالي طموح
يمثّل ( صبحي إسماعيل الكتبخاني ) الشخصية المحورية في الرواية الأولى التي تقوم على مدوناته الشخصية واعترافاته ، ويمكن النظر إليه باعتباره مثالاً " ليبرالياً " نموذجياً اجتهد قدر استطاعته للتمرد على التقاليد المتزمتة واقتحم عالم الحداثة من بوابة التعليم وملاحقة الاختراعات الحديثة والشغف بالعلوم والموسيقى والنساء  . وتكشف مدوناته عن طموحات شاسعة وسعي دؤوب لتحقيق حلم حداثيّ لتغيير أسلوب حياته وواقع الحياة البغدادية البائسة تحت الهيمنة العثمانية ويأمل أن يحقق شيئاً معتبراً من تطلعاته بسفره الى ( الأستانة ) للدراسة واكتساب الخبرات والاطلاع على أحدث الكتب العلمية والفلسفية الأوروبية الصادرة في تلك الحقبة من سنوات مطلع القرن العشرين . يكتب صبحي الكتبخاني  في مدوناته:
 (  ما أكتبه لاعلاقة له بالتأريخ وأحداث البلاد ؛ إنما  أنا أكتب عن الإنسان  وأوجاع روحه وأشواقه المكبوحة - عن أحلامه وخطاياه وجنون القلب ، ومايرد في مذكراتي عن الحوادث والوقائع التي شهدتُ سطحها  الخارجي  فإنه  محض  إطار خشبي  لمرايا مضببة كتلك المرايا الأسطنبولية العتيقة في غرفة أختي وفيقة . الحقائق أجمعها مطموسةٌ على أية حال ، ولاشيء حقيقي في التأريخ  ووقائعه المدونة ، الحقيقي هو خديعتنا  بأشياء كثيرة ، أما الوقائع الحاصلة في أطراف البلاد كلها فتلك مادة للتهويل والمبالغات ، التأريخ مناورٌ ومضلل وخادع ، والحوادث يراها الناس من جانب واحد حسب ماتمليه أهواؤهم ، ويكتبُ عنها الكُتّاب من الجهة التي ترضي  ميولهم ، انتماءهم ، مصالحهم ، قسوتهم ،،، لاشيء حقيقي في العالم سوى غربة  الروح وقصص العشق والفقدان والتوق المضني  للمكوث في الزمان  والمكان الآمنين ، وما سوى ذلك ألعاب  سَحَرَة خادعة  وعمل قطاع طرق  وقسوة قُطاع  أعناق ............  )

تلفيقات  السياسة
تكشف الرواية عن الأساليب السياسية الملغومة التي رافقت نشوء وارتقاء بعض "البيوتات" البغدادية على مسرح الحوادث ، والكيفية التي قاتلت بها تلك البيوتات  قتالاً شرساً من أجل تحقيق تمركز المال والسلطة بين أيدي أفرادها ، وتفضح فصول الرواية ذلك الصراع الخفي المسكوت عنه بين بعض أفراد تلك الأسر والمتاهات والسقطات التي يفضي إليها تنازع القوى والمواقف والتزاوج المدنس  بين المال والسلطة والأهواء الشخصية - كل ذلك في سياق تشكيل ملتبس لدولة العراق الحديث الذي شاءت القوة الاستعمارية الانكليزية المهيمنة أن يكون صناعة بريطانية خالصة تضمن مصالحها وسيطرتها على امتداد  الشرق كله .

العِشقُ موضوعة جوهرية في الرواية
تشكّل  قصص العشق هيكلاً أساسياً في نمو وتصاعد الصراعات على امتداد أجيال عائلة الكتبخاني وماحولها منذ مطلع القرن العشرين  حتى سنة 2014 ، وتتوهج بينها على نحو غرائبي مشوّق قصة  العشق المثيرة بين ( صبحي الكتبخاني ) والمغنية  ( بنفشة خاتون )  التي تروي تاريخ العبودية ضمن  سيرتها في رحلة سحرية مشبعة بلذة التخييل الأسطوري المتماهي مع أساطير العشق المشرقية بمفاجآتها وغرائبها ضمن توظيف بارع يتظافر فيه الميتافيزيقي والواقعي مسروداً بلغة سلسة تتناغم ايقاعاتها الموسيقية مع تصاعد الحوادث في موازنة محسوبة بين اشتراطات الواقع بمتطلباته الصارمة ومتعة التخييل الروائي التي تميّز رواية ( عشاق وفونوغراف وأزمنة ) .
تمثّل ( نهى جابر الكتبخاني ) في الجهة المقابلة الشخصية المحورية في الرواية الإطارية المعاصرة وتعمل على تحقيق مذكرات الجد التي لاتكتمل الا بتواشج وقائعها مع قصة العشق بينها وبين  نادر : عاشقها المهووس بالفيزياء والذي تحطمت طموحاته مبكراً في بلد يهدر المواهب والعقول الفذة ؛ فيعمد الرجل الى اختلاق عالم ذهني منعزل وينغلق على أحلامه المنكسرة في محاولة لنشدان الخلاص الفردي والنأي بالنفس عن مستنقع الرثاثة العراقي الراهن الذي تعتاش فيه الأفاعي السامة والنفوس المظلمة والفساد الأسود .

التوق لتجاوز المحدوديات المحلية
على الضد من هوس والد نهى بمعرفة أسرار أسلافه من مدوناتهم فإن ( نهى )  ماكانت معنية بتأريخ أسلافها :
( .. تدرك نهى من تتابع الإشارات الغريبة على وعيها أنّ جذورها تمتد لأكثر من عرق وأكثر من بلاد وأكثر من عصر، لاتعلم حقيقةَ منْ أية نطفة أتت ومن أي صلب تحدّرت . أيُّ البشر يعلم  حقيقة أصوله ونسبه ؟ لا أحد ... هي لاتريد أن تعرف ، ماجدوى أن تعرف ؟؟ فلتعش حاضرها حسبُ  ،،،، البشر جميعاً - وليست وحدها - صُهروا في بوتقة هائلة  يسمونها الحب أو العشق أو الغرام وهي ليست سوى الرغبة في تلاحم الأعراق والأجساد خوفَ التلاشي في خديعة الموت ، الكل  وُلِدوا من مكيدة نشوة عارمة سرت في اللحم صعقة مكهربة ، عشقوا وتناسلوا وتخالطت أنسابهم وخانوا وتقاتلوا وأسسوا البيوت وأقواس النصر وميادين المدن والأسواق ومنازل البغاء والبنوك ، وأكل ملامحَهم عفنُ الكراهية أو جذام الجشع  ثم  انشغلوا  بتوسيع المدافن التي عزّزتها  صراعاتهم  والحروب . )

مناخات روائية متداخلة
توظّف الرواية طيفاً كاملاً ومتداخلاً من المناخات الروائية : ثمة مناخ ميتافيزيقي في بعض الأجزاء من الرواية يحيلنا على الفور إلى المخيال الحكائي الشفاهي ذي النزعة الموغلة في التخييل ، وثمة في أجزاء أخرى مناخات تأريخية طافحة بالمشهديات البصرية المباشرة القريبة من لغة ( السيناريو ) السينمائي المحتشد بوفرة من المؤثرات الدرامية ، بينما تتعزز السردية في أجزاء أخرى من العمل بتوظيف المونولوجات الذاتية التي تنبئ عن شخصيات ذات طبيعة ذهانية مأزومة ، ونلحظ في مواضع أخرى سرداً روائياً لوقائع علمية وتأريخية ،،،، الخ ؛ الأمر الذي يجعل من هذه الرواية مصهراً مركباً وظّفت فيه الروائية الكثير من التقنيات السردية الكلاسيكية والحداثية في بوتقة واحدة .

فيوض معرفية
حرصت الروائية على تضمين الرواية كمّاً معرفياً ضخماً من أدق التفاصيل وبخاصة في رسم الشخصيات الروائية ، ونلمح هذا –على سبيل المثال- في قول "نادر" وهو أحد الشخصيات الرئيسية المأزومة في الرواية :
(  تخصّصت في الفيزياء النظرية لأنها أقرب إلى عالم الأفكار ؛ فأنا أحب الرموز ولا أطيق الكلام الفائض واللغة البلاغية والثرثرة التي تغرق حياتنا الآن وتكاد تخنقنا وهي تنهال علينا من التلفاز أو من أفواه البشر ممّن لايقدرون قيمة الزمن ، أمّا الرياضيات فهي شغفي الموازي الآخر لأنها تختزل لنا العالم في رموز محددة وبطريقة ساحرة ليس لها نظير .. )  
ويردد في موقع آخر  :
( نحن محكومون بما يحيطنا ، لسنا أحراراً أبداً ، نحن رهائن  لظروف فُرِضت علينا ، والعزلة ليست الخيار الأمثل ولكنها نوع من درع  يحمينا حتى من أنفسنا - آلية دفاعية ابتكرها عقلنا للحفاظ على الخزين المتبقي من طاقتنا الحيوية وعدم تبديدها في العبث اليومي اللامجدي ) ..
كما يمكن تحسس مدى الدقة التي توليها الروائية لمتابعة الجزئيات والتفاصيل الصغيرة التي تخصّ الشخصيات الروائية وعلى النحو الذي يرد في هذا المقطع الذي يؤصّل بدايات تشكّل شخصية نادر :
(  حصل على كتاب في تأريخ الفلسفة الإغريقية وبدأ قراءته وهو في الصف الخامس الابتدائي ، دفعه شغفه بالفلسفة إلى محاولة تعلم عدد من اللغات مبكراً وبخاصة اللغة اللاتينية لمجرد أنه أراد قراءة النص الفلسفي المسمّى " في طبيعة الأشياء De Rerum Natura " الذي كتبه لوكريشيوس بلغته اللاتينية تقريضاً لعمل الفيلسوف ( ديموقريطس ) واضع أصل النظرية الذرية ، تعلّم نادر من قراءاته الفلسفية المبكرة والواسعة  أن طرح الأسئلة أهم من الحصول على الإجابات ، وفهم أن ( لماذا ) هي الكلمة المفتاح لفهم الأسرار والتعرف إلى غوامض الكون ، تساءل عن الحياة والموت ، لماذا نولد ونموت ؟؟ لماذا الموت ؟؟ أين تذهب أفكارنا بعد الموت ؟  ماهي  حدود  الكون ؟  هل للزمن  من بداية  ونهاية ؟؟
منذ تلك اللحظة  امتلأ رأسه بالأسئلة وفاضت من روحه المعاني وتسامى بها حتى حدود الانفصال عن الوجود المادي ، ثم بغتة اكتشف فظاعة عنف العالم الذي يعيش فيه ، وحشية الظلم ، بشاعة العوز ، وقرّر في لحظة اليأس المطبق أنه : لا أمل  ، لاجدوى من كل شيء ؛  فاختار الصمت والعزلة.......... )

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram