TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مفتاح!

مفتاح!

نشر في: 20 يونيو, 2016: 09:01 م

عثرت على مفتاح ينام على مسطبة في شارع عام.
رفعته وقلبته، شممته، ثم أعدته إلى مكانه. قلت لنفسي ربما سيعود صاحبه ليأخذه. المفتاح صغير وفضي، لكني تخيلته مفتاح قلعة سومرية، هكذا أحالني إلى تاريخي. ربما يحيل إلى قبو أغريقي كي استنكر تاريخي. المفاتيح تحيل، دائماً، إلى أبواب ما. أو لا تحيل، دائماً، إلى أي باب.
أبواب ما بعد الحداثة صارت تفتح بالكارتات، أو بكبسة زر على روبوت صغير بحجم أصغر من علبة الكبريت.
أثقلت جيوبي بعشرات المفاتيح من بغداد إلى لندن.
باب بيتنا في مدينة الثورة بلا مفتاح، كان مفتوحاً على مدار الساعة وإن لم ننتظر أحداً. عبر المدن والعواصم واللغات والقصائد والآغاني ثمة مفاتيح كثيرة وإن كان بعضها لا يفتح أي باب.
بعضها فتح لي أبوابا عدة: باب البيت والباب الشرقي وباب المعظم وباب الدروازة وباب توما وباب الكلام الضروري وغير الضروري.
تركت المفتاح ذاك في موضعه على تلك المسطبة الفارغة إلا منه، وفكرت: إنه مفتاح فضي، صغير، مثل بقية مفاتيح الناس، وإن مرّ بأدوار استحالة عديدة.. منذ أن صبّه أول حداد لأول قفل حتى عثرت عليه يجلس أو يستلقي على مسطبة لندنية.  بصراحة، دوخني هذا المفتاح!
ربما بسبب الهومسك، لأنه أحالني إلى البيت الأول. أو لأن كل قفل يحتاج إلى مفتاح وإن كانت ثمة أقفال بلا مفاتيح ومفاتيح بلا أقفال.
أو لأن المفتاح يحيل إلى باب بيت. لكن المفتاح ليس مفتاحي فهو لن يفتح باب بيتي. السؤال عن البيت هو شكل من أشكال المفاتيح التي هي في طور التصنيع. شغلني فعلاً ذلك المفتاح!.
لو لم يكن ذلك المفتاح لباب ما لما كان يرقد هناك على مسطبة.
لكان على الأرض أو في حاوية قمامة.
ثمة صاحب، إذن، لهذا المفتاح لأنه ليس على الأرض ولا في حاوية قمامة.
سؤال جديد: من هو صاحب المفتاح؟
احتمالات عدة ترد للإجابة على هذا السؤال.
لكنني أقنعت نفسي، وإن لم أقتنع، بأنه علامة تحريض على البحث. أجبت: أبحث عن ماذا؟
إنه مفتاح عادي، فضي، صغير، لا يعود إلى أحد.
تساءلت بصوت عالٍ حتى أن بعض المارة اعتبرني مخبولاً:
أي مفتاح، يا هذا، إرمه وراء ذاكرتك وامض إلى بيتك.
رميته خلف ذاكرتي ومضيت، لكن ذاك المفتاح ما برح يتشكل، بصور عدة، في ذاكرتي الراهنة.
مفتاح أم على عجلة من أمرها لتفقّد أولادها.
مفتاح بنت على موعد مع حبيبها في غفلة الجيران.
مفتاح كهل وحيد  سيعود إلى بيته متعباً ليتناول دواءه.
مفتاح صبي نسيه في غمرة انهماكه في لعبة ما مع أقرانه.
مفتاح راقصة عليها أن تعد نفسها لحفل مدفوع الثمن.
مفتاح وكيل عقارات لديه الكثير من المفاتيح.
مفتاح مشرد حصل عليه من صديق له ليبيت ليلته عنده.
تتعدد المفاتيح كثيراً لكن الباب واحد، إذ لكل باب مفتاح لا يفتحه أي مفتاح. مثل الحب عندما يجد القلب مفتاحه وقد لا يجد قفلاً يفتحه. أو: مثل الحب عندما لا يحتاج إلى أي مفتاح.
غير أن باب الحب لا يفتح بأي مفتاح. بل بما يفتح كل الحواس على بعضها لتتشكل قبلة في الحلم.
القبلة، أيضاً، تحتاج مفتاحاً.
هكذا عبرت هواجسي كل المفاتيح المُحتملة وغير المُحتملة وأنا أبلغ باب بيتي لأكتشف أنني أضعت المفتاح.
مفتاحي!.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram