TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مَدَنِيَّة

مَدَنِيَّة

نشر في: 22 يونيو, 2016: 06:20 م

بقليل جداً من الحذر، يمكن القول إن أغلبية بسيطة من الناخبين البريطانيين ستصوّت لصالح بقاء بلادهم ضمن الاتحاد الأوروبي، في الاستفتاء المقرّر إجراؤه اليوم الخميس. لكن نتيجة كهذه لن تعني إسدال الستار على قضية العلاقة بين الطرفين، فالحكومة البريطانية سيتعيّن عليها الضغط لاحقاً على إدارة الاتحاد لإحداث إصلاحات فيه يريدها السياسيون البريطانيون من الطرفين كلاهما.
مردّ الحذر هنا إلى واقع أن هذه القضية هي محلّ خلاف وانقسام شديدين في بريطانيا، ليس فقط في ما بين الأحزاب الحاكمة ونظيرتها المعارضة، وإنما أيضاً بين قيادات وأعضاء الأحزاب نفسها، حاكمة أو معارضة. وعلى سبيل المثال، بينما رئيس الوزارء ديفيد كاميرون يؤيد البقاء في الاتحاد، وكذا وزيرة الداخلية تيريزا ماي، فإن وزير العدل مايكل غوف يدعم الحملة الداعية الى الخروج.
أمّا مردّ التوقّع بتمسّك البريطانيين بالخيار الاتحادي فإلى اتجاهات الصحافة البريطانية، وبخاصة صحف الأحد التي تحقق إقبالاً من القرّاء أكثر من الأعداد الصادرة في الايام الأخرى. والأحد الفائت عسكت الصحف الرئيسة اتجاهاً عاماً مؤيداً للبقاء في صفوف الاتحاد.
صحيفة "ديلي ميل" المحافظة، وهي من الصحف الشعبية واسعة الانتشار خصّصت صفحتين لمقالتها الافتتاحية التي جاءت بعنوان: "من أجل بريطانيا أكثر أماناً وحريّة وازدهاراً وحتى عظمةً، نحثّ على التصويت للبقاء" (في الاتحاد الأوروبي)، ومثلها فعلت صحيفة "أوبزرفر" (أسبوعية الغارديان) اليسارية المعتدلة التي عنوت افتتاحيّتها بالآتي: "من أجل بريطانيا دولة عالمية وليبرالية ومنفتحة نحتاج الى أن نبقى جزءاً من الاتحاد الأوروبي".
بخلافهما جاء موقف صحيفتي "صنداي تايمز" المحافظة التي عنونت افتتاحيتها بـ: "إنها فرصة بريطانيا لتحقيق صفقة جديدة مع أوروبا"، وصحيفة "صنداي تليغراف" المحافظة أيضاً التي رأت أنه "علينا أن نصوّت بترك الاتحاد لجعل بريطانيا متوافقة مع المستقبل".
البريطانيون المؤيدون للبقاء في الاتحاد الأوروبي سيُودعون آراءهم في صناديق الاقتراع من دون ضجيج، وكذا سيفعل المعارضون.. كلّ منهم سيمرّ بالمركز الانتخابي وهو في طريقه إلى العمل أو في فترة استراحة الظهيرة أو عند نهاية الدوام. وفي المساء سيلتقي الكثير من المؤيدين والمعارضين في الحانات والمقاهي والمطاعم ليواصلوا حياتهم المعتادة من دون أن يُفسد اختلاف الرأي بشأن العلاقة مع الاتحاد الأوروبي للودّ في ما بينهم قضية، فليس ثمة حضور لطائفة أو مذهب أو دين أو قومية أو منطقة أو لون بشرة في هذا الخصوص. وفي اليوم التالي، سواء قرّرت الأغلبية الانفصال عن الاتحاد الأوروبي أو البقاء فيه، ستمضي الحياة على النمط الذي كانت عليه قبلاً، بالضبط مثلما حصل منذ أقلّ من سنتين عندما اقترع 55 بالمئة من الأسكتلانديين لصالح البقاء موحّدين مع الإنكليز والويلزيين والآيرلنديين الشماليين في إطار المملكة المتحدة، فلم يتعارك اثنان من المؤيدين والمعارضين او يتشاتما أو يُخوِّن بعضهما البعض.
هي المدنيّة، بطبيعة الحال، التي يكرهها أصحاب الإسلام السياسيّ كما لا يكرهون أيّ شيء آخر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram