بعد ساعتين، أو نحو ذلك، من ظهور النتيجة النهائية للاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، بقاءً أو مغادرةً، خرج رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، رفقة زوجته سامانثا، إلى الشارع ليقف قبالة مدخل 10 داوننغ ستريت، مقرّ رئاسة الحكومة، في مواجهة الصحفيين الذين احتشدوا بالعشرات.
وبعد مقدمة قصيرة لبيانه القصير، قال كاميرون ثلاث جمل مهمة للغاية، الأولى أعلن فيها بالنصّ وبلهجة قويّة أن "خيار الشعب يجب احترامه". شعب المملكة المتحدة اختار بنسبة تقلّ عن 53 بالمئة الخروج من الاتحاد بعد 43 سنة من العضوية فيه. أما الجملة الثانية المهمة فهي التي أعلن فيها كاميرون أنه سيستقيل من رئاسة الحكومة ومن زعامة حزب المحافظين في تشرين الأول المقبل عندما ينعقد المؤتمر السنوي للحزب. قال كاميرون في هذا الصدد إن بريطانيا "تحتاج إلى حكومة جديدة"، وحزبه "إلى زعيم جديد". الجملة الثالثة المهمة لكاميرون تضمّنت تعهداً قوياً منه لتحقيق خيار شعبه برغم أنه كان له خيار مختلف تماماً: "سأفعل ما في وسعي للمساعدة في إجراء عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خدمةً لهذا البلد العظيم".
كان كاميرون متحمّساً لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وعمل في سبيل ذلك حتى الساعة الأخيرة قبل بدء الاستفتاء.
وكاميرون يترأس الحكومة الحالية في المملكة المتحدة لأنه زعيم حزب المحافظين الذي يتمتع بالأغلبية المريحة في البرلمان البريطاني نتيجة لانتخابات لم يحصل فيها أيّ غشّ وتزوير، بخلاف ما يحصل عندنا في كل انتخابات، بيدَ أنّ كاميرون لم يفعل ما يفعله في العادة رؤساء الحكومات وزعماء الأحزاب والنواب والوزراء، وحتى مَنَ هم دونهم، عندنا.. لم يتذرّع بالأغلبية البرلمانية ولا بالاستحقاق الانتخابي ولا بسواهما من الخزعبلات التي يتمسّك بها ساستنا الفاشلون فشلاً ذريعاً متواصلاً في كل شيء، ليبقى في السلطة متمّماً ولايته الثانية التي بدأت قبل سنة فقط.
مرّة أخرى، إنها المدنية الديمقراطية التي لا تعرف هذه الخزعبلات وسواها، مثل "القائد الضرورة" و"التكليف الشرعي".. إلخ من البضاعة الفاسدة التي يصنعها ويسعى لترويجها سياسيّونا الفاسدون بتأييد في الغالب من مُعمّمين فاسدين.
يستقيل ديفيد كاميرون من رئاسة الحكومة البريطانية ومن زعامة حزب المحافظين، لأنه يرى أن التصويت ضد خيار كان يريده ويدعو إليه هو تصويت ضدّه شخصياً وضد سياساته، وبالتالي وجد أنه أصبح لزاماً عليه أن يتنحّى، لأنّ في النظام المدني الديمقراطي لا يفعل الشعب ما تريده الحكومة، بل الحكومة هي التي تفعل ما يريده الشعب. لهذا السبب بالذات لا يحبّ الإسلاميون، وكلّ ذوي الفكر الشمولي، هذا النظام. وهذه هي محنتنا معهم في هذه البلاد وفي سائر البلدان التي يحكمونها أو يسعون لحكمها، فهم متشبّثون بخزعبلاتهم حتى لو كانت العاقبة موت مئات الآلاف وتهجير الملايين وتدمير المدن، كما هو حاصل هنا في العراق وفي جارتنا الغربية سوريا وفي ليبيا... وسواها.
المَدَنِيّةُ أيضاً.. ودائماً
[post-views]
نشر في: 24 يونيو, 2016: 05:55 م
جميع التعليقات 2
Waleed H Alebrahemy
اتمنى ان يكون الخبر يصحي ضمائر السياسيين العراقيين ليقدموا خدمة الوطن على خدمة احزابهم المتهالكة ..
محمد سعيد
ظلما يا اخي الكاتب العتيد المقارنة بين شخصيه كاميرون السياسي الحذق الذي ظل يدافع عن رايه في بقاء بريطانيا العظمي في الاتحاد الاوربي, الا انه قبل الهزيمة وتراجع حسب مشيئة الشعب البريطاني (52,9%) للخروج من الاتحاد ... وبين ساستنا الذين همهم الوحي