TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المعاني المقدسة للأخطاء

المعاني المقدسة للأخطاء

نشر في: 25 يونيو, 2016: 09:01 م

  أنتِ في الطرف القصيِّ من الأرض، وانا في أدناه، بالجنوب، أدعوك، فنلتقي. في المركبة الصاعدة أنا وأنت في المركبة الهابطة من الأعالي، كانت الطريق بيننا نأياً وقصيرة، وكنا نباعدها خطى ومفازات.. تضيعين، فلا أسمع لك رنة هاتف، وفي غرفات الفندق الكثيرة، على دجلة، ببغداد العظيمة، نفتح حقائبنا لتهبَّ منها نسائمُ شوقنا الابدي. تقترحين المطعم واقترح الساحة العامة، يقدّمك احدُهم لي، فأمدّث يدي مصافحاً، كأنني ما عرفتك، هي لعبة التعريف والانكار التي نمارسها منذ سنوات. يرونك معي، ثم لا ينكرون عليَّ حضورك، ساعة تغيبنا قبلة عابرة، ساعة تهزمنا لحظة لم نحسن تعريفها بعد.
 أحمل طبق الرز بالفاصولياء لك، وتحت الأرغفة خبأتُ الفاكهة والتمر، تسقط الملعقة، فيرنُّ بريقُها على البلاط، أنا لا أستنفرُ أحداً من أصابعي، لكنني تذكرتُ ملعقتي التي عدت بها من عمّان عاطلة، آن التقينا ذات مرة هناك، أتذكر مفتاح غرفتك، حيث استعصى الفتحُ علينا، في صنعاء. هل تذكرتُ الساحل الطويل بإكليوس، ذاك، الذي قصدناه من اسطنبول معا، هل اتحدث عن المركبة التي قطعت الجبال بنا الى هناك. كانت قبعتك من الريش وكانت سراويلي جينز تضيق.. دعيني أتذكر أكثر، فأنا حزين وضجر وملول اليوم، انا، ومنذ ساعات أربع أقطع الغرفة جيئةً وذهاباً، أبحث في المعاجم عن معنى للطمأنينة فلا أجدك فيه. لا، لم يقل لي أحدٌ بأنك المعنى الأكيد له.
 ظل صاحب الفندق يمتحن حيرتي بك، يفتح عينه الماكرة، وعبر النظارة السميكة جاء ليقول لي صباح الخير. لكأنه يُعلمني بأنكِ كنت معي البارحة. نعم، كنتُ معك، وكنتِ معي، وها قد أضعنا عليه فرصة التعلم بما حدثتنا الجدران به، وما انطبقت عليه الابواب، لكنني، وكما عودتك دائما، لا أتسلق الشبابيك، ولا أهزُّ شجرة اللبلاب، التي تطاولت اغصانُها خزانةَ ثيابك، ولا أستأذن احداً اليك، هكذا، من باب غرفتك دخلت، من فتحته التي لا تتسع إلا لي قدمت، لم أنشغل بالجرس أطرقه، ولم اتخذ من الخشب البليد رخصة، إنما جئت لأجدك مبعثرة على السرير، أزحت قميصك عن حاشيته، وتحته دفعت بحذائك، وحين كانت الشمسُ تذبل خلف الستارة، كنت سقيت أشجارك كلها، وكنت من قبل ذلك لا أعرف عن التفتق في البراعم إلا القليل، شربت من ينبوع ظمئك، وأكلت خوخ مازتيك، ومن أصابعك حتى بركة النور التي بين قدميك كنت أنهزم لحظة إثر أخرى. لا، ما زررت سحاب سروالك، أنّى لي ذلك، كنت متعباً، ما فيه الكفاية.. لكنني جعلتُ من ظفيرتك اطول.
 يترك عشاقُ المدينة الكثيرَ من اكفّهم على الطاولات، حيث جلسوا وأطالوا النظر بعيون بعضهم، وعلى الجادة المنهكة يتسربُ خيط من عطر طويل، ما انفكت المسافاتُ تستلهُ من اجسادهم، هو بعض من عَرَقٍ تصببَ في عناق، وهو ماءٌ دجلةٌ تقاطر من أذرعهم وسيقانهم على بلاهة البلاط،، حيث أقاموا هناك، وتمددوا، وتقلبوا في بطون الاسرة وفي الغرفات. تقولين اخطأتَ تجاهرُ بحديث لكَ في الليل، ألا ترين أنني اخطأ في الحول مرةً، وإنْ تجنبته لا أصيب، أحدّثك بحديث الجسد والقلب، فلا أحسنُ له نهاية، ألا تجدينني مثل وترٍ متهدلٍ على أرغن قديم، أجملُ ذرائعي فلا أجد لها جامعاً، تقولين: أنت تشركني بما تحمله معك من ثياب وأنهار وبساتين، لا شأن لي بها، بل الشان كلُّه. في معجم جسدك، وبين يديك، معك حسب، أعثرُ على المعاني المقدسة لأخطائي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram