لا يمر عام الا ويصدر كتاب جديد عن حياة الكاتب الساخر مارك توين،فهذا الكاتب الذي وصفه وليم فوكنر ذات مرة بأنه أبو الأدب الأميركي، ما زال حتى يومنا هذا مثار بحث واهتمام العديد من النقاد والقراء،ولعل السخرية التي امتازت بها كتاباته تعد واحدة من اكثر الا
لا يمر عام الا ويصدر كتاب جديد عن حياة الكاتب الساخر مارك توين،فهذا الكاتب الذي وصفه وليم فوكنر ذات مرة بأنه أبو الأدب الأميركي، ما زال حتى يومنا هذا مثار بحث واهتمام العديد من النقاد والقراء،ولعل السخرية التي امتازت بها كتاباته تعد واحدة من اكثر الاشياء التي تغري الناس بادب هذا الكاتب الكبير.
لكن هناك حقيقة قد لا يعرفها البعض وهي ان حياته الشخصية كانت هي الاخرى مليئة بالاحداث التي تبعث على الحزن ايضا،وفي هذا السياق فقد صدر مؤخرا كتاب بعنوان (مطاردة الضحكة الاخيرة) للكاتب الامريكي ريتشارد زاكس،وكان كتاب آخر قد صدر قبل نحو عام بعنوان سيرة ذاتية جديدة لمارك توين كشف فيه مؤلفه روي موريس عن سنوات الكاتب الاخيرة والتي كانت مليئة بالاحداث الحزينة،فقد توفيت ابنته الكبرى بعد اصابتها بشكل مفاجئ بمرض التهاب السحايا اعقبتها زوجته اوليفيا التي كان يحبها كثيرا ،ثم في عام 1909 ماتت ابنته الصغرى التي كانت مصابة بمرض الصرع قبل عام واحد من وفاته في 1910،وكأن الحياة ارادت ان تسخر منه كما كان يسخر منها على الدوام
في الكتاب الاخير (مطاردة الضحكة الاخيرة ) يخبرنا مؤلفه ان صامويل كليمنس (الاسم الحقيقي للكاتب) كان غير كفء في ادارة شؤونه المالية على الرغم من انه تزوج من امرأة ثرية وحقق نجاحا كبيرا في نشر كتبه ومقالاته وحصل على اموال كثيرة لقاء ذلك، وفي سني شيخوخته اصبح مدينا بمبلغ 60000 دولار للبنوك والأصدقاء وشركاء الأعمال. (وهو ما يعادل 1800000 دولار باسعار اليوم).
لقد كان الكاتب الكبير مولعا بالمشاريع ذات الثراء السريع، بما في ذلك مشروع صنع آلة طابعة ثبت فيما بعد انها كثيرة الاعطال ، وكانت أبطأ من تلك الموجودة في الاسواق . لذلك، قام في عام 1895، برهن داره ، وشرع بالقيام في جولة حول العالم، وكان الهدف من رحلته هذه تحقيق غايتين الاولى ان يحصل على مصدر جديد لاعماله الساخرة والثانية كوسيلة لتحقيق موارد مالية تعينه على تسديد ديونه التي تراكمت . وكان أول مؤلف امريكي يقوم بمثل هكذا رحلة حول العالم وبهذه الطريقة.
كتاب "مطاردة الضحكة الاخيرة" لريتشارد زاكس، يحكي قصة السنوات الخمس التي قضاها مارك توين لتعويض خسائره، ثلاثة في السفر واثنتين في انكلترا لتأليف احد كتبه لاجل تسديد ديونه .
بحث مؤلف الكتاب في العديد من الرسائل واليوميات والمجلات ومانشرته الصحف آنذاك ، ما جعل كتابه واحدا من امتع الكتب. وامتع الاشياء، بطبيعة الحال، كان ماكتبه مارك توين بنفسه، سواء كان ذلك وصفه خادما في الهند كان يطلق عليه لقب الشيطان أو حديثه عن ورق الجدران الأسترالي. وبفضل روح الفكاهة التي يتحلى بها مارك توين وقدرة المؤلف زاكس على معرفة متى يجعل الرجل يصف نفسه بسخرية لاذعة ، فان القارئ يحصل على صورة ممتعة لكاتب أبيض الشعر، يرتدي بدلة سهرة سوداء ولا تفارق وجهه الابتسامة.
فكرة مارك توين بالقيام بجولة حولالعالم كانت فكرة مبتكرة،. واثناء جولاته المتعددة كان بامكانه ان يتحدث أمام حشود من مئات الاشخاص من دون ميكروفون اوأية محاولة لرفع صوته. ولمدة 90 دقيقة، روى للجمهور قصص التجوال التي كان قد حفظها عن ظهر قلب، والتي استقاها في الغالب من أعماله القصصية، وكان جمهوره في أستراليا ونيوزيلندا والهند وسريلانكا وجنوب أفريقيا وبريطانيا مسرورا بشكل كبير لجو المرح الذي تخلقه احاديثه ، فلا عبث انهم اطلقوا عليه لقب "أطرف رجل في العالم".وعلى الرغم من أن هدفه من هذه الجولة كان لتعويض الخسائر المالية التي لحقت به، الا ان هذا الرجل العظيم استمتع كثيرا بها.
كان الوفد المرافق لكليمنس(مارك توين) ينزل في أفضل الفنادق ويسافر على متن افخم السفن والقطارات. وهذا، بطبيعة الحال، يقتطع مبلغا من المال الذي يمكن أن يدخره. وكان يعاني أيضا من الدمامل –كانت تظهر مجموعات من الدمامل على جلده- وتصيبه نزلات البرد باستمرار ما جعله غير قادر على القيام بمواصلة الرحلة، وكانت الامور تتفاقم بسبب عادته في تدخين 20 سيجارة في اليوم. وحتى مع ذلك، كان يحتسى الكحول ويتناول الطعام بكثرة، وسنحت لعائلته الفرص للقيام بجولات سياحية في كل بلد كان يزوره.
في نهاية المطاف، فإن هذه الرحلة، جنبا إلى جنب مع ارباح كتاب رحلته "بعد خط الاستواء" خلصت العائلة من ربقة الديون. هذه الرحلة التي اخذته الى اماكن كثيرة منحته الضحكة الأخيرة، ولكن كانت تنتظره مأساة مروعة: وفاة ابنته سوزي بعد اصابتها بمرض الالتهاب السحائي الشوكي ، وكانت سوزي هي الوحيدة من بناته التي لزمت المنزل ولم ترافقه في رحلته .
توفي توين بعد عشرة اعوام من تلك الرحلة ، في سن الرابعة والسبعين. بعدد ان ترك ثروة بلغت 471136 دولارا اميركيا – وهو ما يعادل نحو 15 مليون دولار في ايامنا هذه.
عن: الواشنطن بوست