اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > تماثيل جلال عامر ما بين المفارقة السياقية والمفارقة اللفظية

تماثيل جلال عامر ما بين المفارقة السياقية والمفارقة اللفظية

نشر في: 28 يونيو, 2016: 12:01 ص

ان المفارقة في المسرحية قد تكون كوميدية أومأساوية، ويلعب التضاد هنا دوره الاكبر الذي لايستهان به في تقاطع الأفكار، فقد تُضحك المفارقة بمأساتها، وقد تُبكي بضحكتها الساخرة.وان المفارقة لا تكون إلا عندما يكون الأثر نتيجة امتزاج الألم بالتسلية. وكثيراً م

ان المفارقة في المسرحية قد تكون كوميدية أومأساوية، ويلعب التضاد هنا دوره الاكبر الذي لايستهان به في تقاطع الأفكار، فقد تُضحك المفارقة بمأساتها، وقد تُبكي بضحكتها الساخرة.
وان المفارقة لا تكون إلا عندما يكون الأثر نتيجة امتزاج الألم بالتسلية. وكثيراً ما تلجأ المفارقة في بحثها عن طرفي التعارض في الأشياء والأحداث.
ويمكن تحديد المفارقة اللفظية على أنها المفارقة التي يكون فيها المعنى الظاهري واضحاً، ولا يتسم بالغموض وذا قوة دلالية مؤثرة.وكثيراً ما يكون المعنى فيها هجومياً. أما النوع الثاني من المفارقة، وهومفارقة الموقف أوالسياق فتعتمد المفارقة هنا على حس الكاتب الذي يرى به الأشياء والأحداث من حوله، وتصويرها بمنظور المفارقة، ويترك للمراقب (الإنسان) تحليلها واستنباط أبعادها الفلسفية والشعورية، وكشف خيوط تعارضها. ومن هنا تختلف المفارقة اللفظية عن السياقية في أن الأولى تعتمد في كشف حقيقتها أولاً على صاحب المفارقة الكاتب أما المفارقة السياقية فإنها تعتمد على المراقب أوالقارئ في استنباط وكشف التعارض بين المعنى الظاهري والخفي. في المفارقة اللفظية يكون المعنيان الظاهر والباطن في مواجهة مباشرة على خلاف المفارقة السياقية أوالحدث التي تتطلب خفاءً وعمقاً في البحث عن طرفي المفارقة داخل بنية القصيدة، وقد تحتاج إلى استنباط وتحليل لمجمل القصيدة أوربطها بسياق خارجي عن القصيدة نفسها، وهذا أكثر أنواع المفارقة. وجلال عامر الكاتب والصحفي المصري وكان يكتب في مجالي القصة القصيرة والشعر وله أعمال منشوره، كانت بداياته كاتباً صحفياً في جريده القاهرة الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية (والتي يرأس تحريرها الأستاذ صلاح عيسى)، وكان يشرف على صفحة «مراسيل ومكاتيب للقراء». وقبل وفاته كانت مقالاته تنشر في عدة صحف، وله عمود يومي تحت عنوان «تخاريف». وجلال عامر ابتدع مدرسة جديدة في فن الكتابة تعتمد على التداعي الحر للأفكار والتكثيف الشديد والمفارقة الساخرة وطرح عدد كبير من الأفكار في المسرحية الواحدة وربطها معاً بشكل غير قابل للتفكيك بحيث تصير المسرحية وحدة واحدة شديدة التماسك على الرغم من احتوائها على أفكار منفصلة عن بعضها، كما يتميز أسلوبه باحتوائه على الكثير من التوريات الرائعة التي تشد انتباه المتلقي حتى النهاية كما أنها تفتح مداركه على حقائق ربما غابت عنه .وفي مسرحية (التمثال)ذات الفصل الواحد نجد ان المفارقة هنا قد اتخذت عدة صور اللفظية منها والسياقية فعندما نتطرق الى المفارقة السياقية نجدها حاضرة حضورا فعالا ومتكاثفا
(المدرس يُخرج خريطه ويسأل التلاميذ عنها)
المدرس:- ” هذه خريطة أمريكا قبل تدمير البرج”.
(المدرس يُخرج خريطة العالم كله)
التلاميذ:- “هذه خريطة أمريكا بعد تدمير البرج”.
(المدرس يعلق خريطة فلسطين)
التلاميذ:- “هذه خريطة فلسطين الحبيبه”.
(المدرس يعلق لوحه بيضاء)
التلاميذ:- “هذه خريطة إسرائيل لدولة فلسطين
(المدرس يُخرج لفه خيوط ضخمة ملتوية وملتفة ومعقدة)
التلاميذ:- “هذه خارطه الطريق”.
هنا يتضح امامنا التضاد والتناقض وتتحقق المفارقة عندما تكون الخريطة صغيرة ثم تتسع لتشمل جميع اركان العالم لمجرد ان برجا ما قد سقط ثم يعود ليخرج خارطة اخرى تكون كبيرة ثم تتدرج بالتقلص لأن اسرائيل رسمت خارطة الطريق اللامتناهية والمفارقة السياقية تكمن في التمدد للبلاد الغربية لتشمل العالم بأسره وفي التقلص في البلاد العربية لغدران بيضاء دونما خطوط او تعرجات وصورة اخرى للمفارقة السياقية عندما يشاهد التلاميذ مجموعة الخيوط الملتوية والملتفة ويقولون هذه خارطة الطريق هنا تكمن المفارقة في ان الخارطة المفتعل رسمها ماهي الا التواءات وتعقيدات لانهاية ولابداية لحدودها.
ومن اهم الاشياء التي تولد السخرية هو وجود التناقض او عدم الانسجام في أية ناحية من نواحي الحياة ولعل وجود التناقض وعدم التوازن والانسجام ايضا يولد مفارقة بل قد يكون أولى المتطلبات الشكلية للمفارقة هي وجود أو تجاور بين عناصر متناقضة متباينة، أوغير منسجمة وهنا تكمن مفارقة اللفظ الواضح المعنى والقصد في مسرحية التمثال لجلال عامر:
المدرس:- “تتميز بلادنا العربية بالموقع الممتاز والمناخ المعتدل… وبأن السماء اختارتها لتكون مهبطاً للأديان والأرض اختارتها لتكون مهبطاً لطائرات حلف الأطلنطى”.
(التلاميذ يصفقون)
المدرس:- “ويوجد زعيم لكل عشرة مواطنين ولكل مواطن مطرب ومخبر وعسكرى وخالة أو عمة منقبة”.
(التلاميذ يصفقون)
المدرس:- “ونهتم جداً بالبحث العلمى فنرسل البعثات إلى كهوف أفغانستان… وعدد السكان نحو ثلاثمئة مليون مفتٍ إذ يعمل معظمهم بالإفتاء وتهتم النساء بالنقاب والرجال بقطع الرقاب”.
(التلاميذ يصفقون)
وتستنتج من ذلك ان علاقة المفارقة بالعبث واضحة في النص لتأكيد المعطيات الساخرة الكامنة في المعنى احيانا والواضحة صورة ولفظا احيانا اخرى فجلال عامر يؤكد لنا ان الدين قد اختلط بالسياسة وهذه هي المفارقة الكبرى ويعود ليؤكد ان السياسة قد مزجت مع العلم ومع البحث العلمي وبالتالي اصبح التمازج واضح جدا مابين الاشياء الثلاثة التي تقوم عليها الدول .
والمفارقة اللفظية والسياقية تتجمع لتشكل مفارقة واحدة في المشهد الذي يسرق فيه التمثال:
(يدخل مدير المدرسه فيقف التلاميذ)
التلاميذ:- “يعيش المدير… يعيش المدير”.
المدير:- “خبر سيئ يا جماعه; لقد خطف الإرهابيون تمثال الزعيم الموجود في مدخل المدرسة”.
التلاميذ:- “يعيش مدخل المدرسة… يعيش مدخل المدرسة”.
المدير:- “لقد نشروا في موقعهم على الإنترنت أنهم سيفجرون التمثال إذا لم نسلمهم النسخه الأصليه وهو الزعيم”.
التلاميذ:- “يعيش الإنترنت… يعيش الإنترنت”.
المدير:- “ما رأيك يا أستاذ؟”.
المدرس:- “الزعيم قيمه سياسيه والتمثال قيمة فنية… والفن أبقى”.
المدير:- “المشكلة أن الزعيم موجود بالخارج”.
التلاميذ:- “يعيش الخارج… يعيش الخارج”.
المدير:- “يا أغبياء موجود خارج الفصل بجوار الباب ويسمعكم”.
التلاميذ:- “يعيش الزعيم بجوار الباب… يعيش الزعيم.
نجد عنصر المفارقة هو من الأشياء التي ضربت بجذورها في العديد من أركان هذه المسرحية وجلال عامر يعتبر ان هذا النمط من المفارقات هو جوهر إبراز بؤس حقيقية الوضع لذا نجد المفارقة في هذه المسرحية مفارقة تتوجه ناحية الموقف والحدث والحوار فهي تجسد روح التضاد داخل العمل المسرحي بأكمله.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الرافدين يطلق رواتب المشمولين ضمن شبكة الحماية الاجتماعية

بالوثيقة.. التعليم توضح بشأن توسعة مقاعد الدراسات العليا

العدل تعمل على خطة تجعل من النزلاء يكملون دراستهم الجامعية

ارتفاع بمبيعات الحوالات الخارجية في مزاد المركزي العراقي

رسمياً.. أيمن حسين يوقع على كشوفات الخور القطري

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المكتبة المسرحية: ثلاثة أعمال مسرحية للكاتب أحمد إبراهيم الدسوقي

سلطة المسرح ومسرح السلطة في العراق

المخرج المسرحي وخلفيته الثقافية

نقد الرياء الديني في مسرحية طرطوف لموليير

حول مسرحية تشيخوف الكوميدية (الدب)

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram