صدر أخيراً للدكتور (احمد شرجي) كتاب بعنوان (سيميولوجيا المسرح) واعتقد بأن هذا الكتاب معدٌ عن رسالة للدكتوراه قدمها المؤلف في احدى جامعات المغرب. وللعلم فقد كانت هناك إصدارات كثيرة عن علاقة علم الدلالة – السيمياء او السيمولوجيا بالعمل المسرحي ، ولعل ابرز ما وصلنا منها (سيمياء براغ للمسرح) لعدد من المؤلفين نشرته وزارة الثقافة السورية، و(المسرح والعلامات) لكل من إلين استون وجورج سافونا ، و(سيمياء المسرح والدراما) لكيير ايلام من منشورات (المركز الثقافي العربي) في بيروت.
واذكر انني ترجمت كتاباً بعنوان (الإخراج في مسرح ما بعد الحداثة) نشرته مكتبة المصادر في بغداد ويعتمد مؤلفه في جميع فصول الكتاب على العلامة في المسرح، وأصبحت المقولة (العرض المسرحي شبكة علامات) من بديهيات التنظير والتطبيق المسرحي بيد ان ما يميز كتاب (احمد شرجي) ما يأتي:
اولاً: اوجز لنا مدارس السيموطيقا الروسية والإيطالية وتنظيرات امبرتو ايكو، وتركز مدرسة تارنو الروسية على ان "العلامة لا تكتسب دلالتها إلا من خلال وضعها في اطارها الاجتماعي"، ولا تختلف المدرسة الإيطالية في طروحاتها عن المدرسة الروسية في هذا المجال. وركز (امبرتو ايكو) على "الوظيفة التي تلعبها العلامة داخل المجتمع"، فالعلامة توظف من اجل نقل معلومات ومن اجل قول شيء ما، او الإشارة الى شيء ما يعرفه شخص ما يريد ان يشاطره الآخر هذه المعرفة!! وفي ذلك إشارة الى العلامات المعروفة الثلاث: (الايقونة والاشارة والرمز).
في الفصل الثاني من كتاب (احمد شرجي) يتطرق المؤلف الى استخدام العلامة في العمل المسرحي او بالاحرى فرز العلامة وتحليل شفرتها ودلالتها ويعرض للقارئ اراء (فرناند سوسير) حول العلامة اللغوية، وآراء (جارلس بيرس) ويسميه (بورس) في فلسفة العلامة وماهيتها وموضوعها وتفسيرها واقسامها – الوصفية والفردية الايقونية، والبراهين والأدلة. ويتطرق المؤلف في الفصل الثاني ايضاً الى آراء (رولان بارت) في الدلالة الذاتية والدلالة الايحائية.
في الفصل الثالث من الكتاب يتطرق (احمد شرجي) الى المتغير العلامي بين المسرح والمدارس اللغوية ومنها (مدرسة موسكو) و(مدرسته براغ) و(المدرسة الأميركية اللغوية). و(مدرسة كوبنهاغن) و(مدرسة باريس) وفي ذلك معلومات عن دور العلامة اللغوية في العرض المسرحي لم يتطرق اليها الباحثون الاخرون.
وفي الفصل الرابع المعنون (المثلث العلامي) يتطرق (احمد شرجي) وبايجاز الى العلامة في اللغة ومرجعيتها وعلاقتها بالثقافة وبالمجتمع ككل . والحقيقة ان السيميوطيقا طبقت أولا على اللغة ثم اخذ الدارسون يطبقونها على الفنون الجميلة ومنها فن الدراما، وهناك ترسيمات أصبحت من البديهيات لدى الدارسين وبما يخص العلامة والدال والمدلول ومنها ترسيمة "بيرس" التي تمثل علاقة الموضوع بالممثل والمؤوَل (بفتح الواو) والمؤوِل (بكسر الواو). ولا اعتقد ان احداً من دارسي الفن المسرحي هذه الأيام بقي لا يعرف تلك العلاقات. وهنا لا بد ان أكون صريحاً فاقول ان ما يطلق عليه من مصطلحات مثل (العلامة) و(الدال) والمدلول هي في الأصل لا تتعدى (الشكل) وهو العلامة او الدال، و(المضمون) وهو المدلول.
بيد ان اهم ما في كتاب (احمد شرجي) هو ذلك الجدول الذي اعده للمصادر التي استخدمها في بحثه وهي كثيرة وخصوصاً تلك التي لم تقع بين ايدي العديد من الدارسين العراقيين مما يحفزهم للبحث عنها والاستفادة منها إضافة لما هو موجود او متوفر لديهم، وهذا جهد مشكور للباحث احمد شرجي.
المسرح والسيموطيقا
[post-views]
نشر في: 27 يونيو, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...