اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > الرسام محمد مهر الدين .. تراكم الأثر والمخططات الغائرة..

الرسام محمد مهر الدين .. تراكم الأثر والمخططات الغائرة..

نشر في: 2 يوليو, 2016: 12:01 ص

اكتظاظ  النموذج عند مقارنة أعمال مهر الدين التي كان يلصق بها مختلف المواد ليجعل سطح اللوحة ناتئا بطريقة استثنائية ومبالغ بها، مع أعماله التي أنجزها لتعرض في معارضه الأخيرة، سوف لن نجد إلا فروقات طفيفة في الدرجة أهمها: كبح المبالغة في الملصقات، و

اكتظاظ  النموذج
عند مقارنة أعمال مهر الدين التي كان يلصق بها مختلف المواد ليجعل سطح اللوحة ناتئا بطريقة استثنائية ومبالغ بها، مع أعماله التي أنجزها لتعرض في معارضه الأخيرة، سوف لن نجد إلا فروقات طفيفة في الدرجة أهمها: كبح المبالغة في الملصقات، وهيمنة اللون حيث "لا يقوى مهر الدين على كبح جماح قدرته على التلوين" كما يقول طهمازي، رغم إن ذلك التلوين عاد أحاديا، كما كان أيام السبعينات، إلا انه ما زال عنصرا فاعلا في الواقعة الشيئية للوحة، وأخيرا انتفاء الرغبة بالتشخيص مع الشكل البشري رغم بقاء مشخصات أخرى تشكل أثرا له ومنها الحروف ومختلف العلامات الأخرى.

2-2

4
إن ما يسميه عبد الرحمن طهمازي (ازدحام النموذج) في لوحة مهر الدين الذي هو "كثرة النماذج التي تكتظ بها كل لوحة تقريبا مما يوحي بكثرة الرموز في لوحة واحدة، أي مما قد يوحي بان اللوحة الواحدة محملة بأكثر مما تحتمل وبأكثر مما يجب"، هو راجع إلى أن تكنيك الملصقات والورقيات والمواد المختلفة يحتمل قدرا اكبر من التنوع والتعقيد في بناء اللوحة، وهو ما أشار إليه كذلك طهمازي، كما أن الدلالة الأهم في ذلك إن المواد المختلفة قد أتاحت لمهر الدين انجاز فهمه للفن الحديث باعتباره عملية تجريبية دائمة، وان موت التجربة الفنية يبدأ بسبب توقفها عن التجريبية، التي ينقل من خلالها قدرا من الإحساس بالتحولات المتلاحقة للواقع، وفوضى ذلك الواقع الذي يشكل ثيمته الأساس طوال منجزه الفني، وكان ينقله من خلال المزاوجة بين المشخّصات والتجريد، بينما اتكأ الآن كلية على الأثر التجريدي للإنسان؛ وبذلك استوطنت الفوضى سطح اللوحة في بنيتها السطحية؛ بينما كانت مرتكزة في حقيقتها على بناء صارم في بنيتها الغائرة وربما الخفية.

5
التراكم – التعرية
يمكن  تناول تجربة محمد مهر الدين التجريدية على أساس ثنائية (التراكم – التعرية) ودرجة التفاني والصراع بينهما، ففيما يعمد بعض الرسامين إلى تكريس التعرية: رموزا، وحفريات، وإلى درجة تؤلف عنده تلك (التقنيات) رؤية فنية تحاول أن تواصل التلصيق بالترقيع والإضافة اللونية، بينما يحاول مهر الدين تكريس التراكم باعتباره عملا (اكسائيا) وليس (ترقيعيا)، وهو ما يفسر الخروق (الوهمية = الكاذبة) التي تخدع المتلقي، بأنها اكساء بالبياض، وليس خرقا حقيقيا يخترق سطح اللوحة الخشبي، وبذلك فهو يرتـّق سطح اللوحة (يجمّلها)، ليكون عمله أثرا مصنوعا، وليس أثرا مطبوعا ناتجا عن تعتيق زمني، بل هو فعل فيزيائي يسرع اكتماله، أي يسرع اكتمال فعل الطبيعة في سطح اللوحة، ولهذا نجد محمد مهر الدين قابعا في صلب الأيمان بشيئية اللوحة باعتبارها ميدانا لاشتغال اللون (=المادة)، ولكنه لا يريد إلا أن يراكم بدل أن يعري، ان يضيف خطوطا باللون على اللوحة بدل أن يخدش سطح اللوحة ليظهر اللون الغائر تحت السطح، كما يفعل من يرغب بتعرية سطح اللوحة، رغم أن الإجراءين التقنيين ينمان عن اثر بشري بكل قيمه الإشارية والإنسانية.
يرسخ محمد مهر الدين النسق المضموني للألوان من خلال هيمنة فعل التراكم، وانحسار فعل التعرية، فيكرس الاشتغال على شيئية اللوحة (متيرياليتها)، عبر الاستعاضة، عن أفعال الطبيعة على سطح اللوحة التي فصّل شاكر حسن ال سعيد الكتابة عنها كالخروق والحروق والشقوق، والممسوحات، والشخبطات…) مكرسا أوهامه اللونية البصرية الصناعية التي تعادل أفعال الطبيعة، ممعنا في خداع ذاكرة المتلقي المتشبعة بالتمثيل التقليدي لفعل الطبيعة على سطح اللوحة الذي كرسته جهود العديد من الرسامين، عبر آثار يضعها على سطح اللوحة، فيستعيض عن الخروق والحروق والشقوق بتقنية لونية، وعلى عكس ما كان يفعله شاكر حسن آل سعيد وتلاميذه الذين لم يكونوا يتورعون عن ارتكاب أفعال الخرق والحرق والشخبطة عمليا على سطح اللوحة، وبذلك تكون صلة لوحاتهم بالوجود الشيئي صلة (فعل ذي طبيعة خارجية)، بينما ينقل مهر الدين تلك الصلة من شكل الإسقاط الخارجي إلى نمط من الوجود (الموقف) الذي يتم التعبير عنه تقنيا (متيرياليا)، حيث يكتسب اللون أقصى قدرته التعبيرية عن التحولات الشيئية لعناصر وجود اللوحة (= الوجود التكويني- البصري– اللمسي) وتكتسب الألوان تلك المعاني التي تتعدى العلاقة مع اللوحة إلى العلاقة مع العالم والوجود، فتتواشج مستويات الوجود الفني: اللوني والحسي واللمسي كخامة تمتلك وجودها المستقل عن عناصر الوجود الأخرى، ويغدو الخرق والحرق والخرم لا غيابا للوجود اللوني بل هو عند مهر الدين إحلال تقني للألوان بعضها بعضا، وكأنه يمارس ما يسمى بالسحر بالنيابة حين يستعيض عن تلك الموجودات بطيفها على سطح اللوحة.
 6
كتاب عن تجربة مهر الدين
شكل صدور كتاب (محمد مهر الدين عظيم) مناسبة لتجميع العديد من المقالات التي تناولت تجربة مهر الدين فقد تناول سمير علي في مقالة بعنوان (محمد مهر الدين وهذا العالم الغريب) أعمال المعرض الثالث لمهر الدين، ومحنة الإنسان الذي تكبسه صفائح متموجة لا تترك منه غير ظل، وسلبية محضة مثل الظلال تماما، وقد كان الكاتب معنيا بالموضوعات من خلال لغة شعرية من الصعوبة تلمّس مدلولاتها إلا بصعوبة بالغة، فهي لغة تنتمي إلى اللغة النصية منها إلى لغة النقد المفاهيمية، ففيها مثلا نجد أن تجربة مهر الدين "في مضمونها ينتقل العقل ليعمل في التفاصيل ويمارس متعة الكشف والربط بين حقيقة وأخرى، دالة وأخرى، إلى إن يصل إلى الغرابة التي سكنت أعماق الفنان"، فهناك "نواح بارد يسكن في جسد اللوحة". وتحت عنوان (لوحة وثلاث (كذا) مداخل) شارك ثلاثة كتّاب هم: عبد الرحمن طهمازي، وعادل كامل، ود. ماهود احمد، في مناقشة لوحة مهر الدين (إنجيلا 1976 مواد مختلفة)، وتكشف هذه المحاورة وجوها من المحنة التي كانت تواجه النقد التشكيلي العراقي وكيف تعامل النقد وما هي حلوله المقترحة تجاهها: الوجه الأول هو المحاولة الحثيثة لربط الفن بالتوجهات السياسية للدولة وإيديولوجيتها ضمن ما كان يهدف إلى خلق (مدرسة عربية) للنقد التشكيلي العربي والفن، وهو ما سعى له النقد العراقي منذ بواكير الكتابة في هذا الحقل، وترسخت أقدامه في سبعينات القرن الماضي من خلال كتابات عادل كامل وشوكت الربيعي (كما اكد ذلك الراحل شاكر حسن آل سعيد في كتابه فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق)، وتكشف المحاورة الوجه الآخر من تعامل النقد مع محنة هيمنة ورغبة الدولة وقواها الثقافية المهيمنة في فرض خطابها على الكتابات في هذا المجال، حيث كرس النقد آليات لـ(لإفلات) من مأزق (السياسي) من خلال التكنيكات والصياغات اللغوية والشعرية التي تلغّم العبارة بالمعنى ونقيضه للإفلات من انتباه الرقيب، وهو ما كان يفعله غالبية الكتاب العراقيين، وهو ما سعى إليه عبد الرحمن طهمازي هنا، في إجابته على مقترح عادل كامل، بينما قدّم ماهود احمد (رغم جملة الاسترضاء الأولى) وجها ثالثا من التوجه النقدي التشكيلي العراقي، توجّه بدأه شاكر حسن آل سعيد ونقل فيه الفهم النقدي العراقي إلى أبواب الحداثة، رغم انه ظل نخبويا حتى أيامنا هذه، وهو اعتبار اللوحة (واقعة شيئية) مفصولة عن شتى المعارف التي تقع خارجها ومنها العنوان وما يتبعه من تواطؤ اجتماعي يخص اللغة وعلاماتها، وانفصال اللوحة عن أية معلومات متعلقة بما يجره العنوان وأهمها الموضوع الذي يفرضه العنوان، وأيضا أية معلومات تخص الفنان شخصيا ونحو ذلك. فبعد أن يوافق د. ماهود احمد إن العنوان يمكن أن "يساعد في كشف المعنى" إلا انه، برأيه، "يحصر المعنى" أي سيشكل موجها قرائيا قسريا قبليا للعمل الفني، ويؤكد ماهود احمد أيضا على الكيان المستقل للوحة كعمل فني خارج اطر الموضوع والعنوان الذي يشكل برأيه موجها قرائيا أراد الرسام بواسطته "أن يدل المشاهد على طريقه في اللوحة من خلال ما يعرفه عن موضوع اللوحة"، بينما كان من المفروض أن يجد المتلقي طريقه إلى اللوحة من خلال اللوحة ذاتها، وليس من خلال معرفة خارج بصرية. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram