آر أس توماس (1913 ـــ 2000) شاعر وقس أنجليكاني من مقاطعة ويلز. رُشح لجائزة نوبل سنةَ 1996، ولكن فازت بها الشاعرة البولندية ﭬيسواﭬا شِمبورسكا (1923 ـــ 2012).
إنه شاعر مُفضلٌ لديّ في الشعر الانكليزي الحديث. عاش عزلته التي هي وليدة طبيعة فطرية فيه. وظلت قصيدتُه، بين التجريبِ في الشكل، والنزعةِ الميتافيزيقية في التطلع، والتمرغِ بتربة الأرض وثراءِ الطبيعة الخام، نموذجٌ فريدٌ خُصَّ به وحده. وكما ظل شعرُه في دوامةِ لا تهدأ بين الإيمان الديني، والتساؤل الحائر، ظلت طبيعتُه الشخصية غريبةَ الأطوار في جملتها. كان خشنَ الطباع مع النفس، والآخر والحياة. رفض في سكنه مع زوجته كلّ خدمات العصر الصناعي الحديث، حتى موته. عاش في أبرشية متواضعة بين فلاحي ويلز، ممن تغلبت عليهم الحياة البدائية. وبالرغم من تطرفه الوطني الويلزي ضد الهيمنة البريطانية، إلا أنه لمْ يُبدِ رضاً عن أبناء جلدته. مادةُ شعره مُستمدةٌ من مظاهرِ الطبيعة التي ألفها. ولكنها مادةٌ روحية في الجوهر. كتب سلسلةً من القصائد عن الفلاح الويلزي، وانتخب له اسماً هو "إياكو ﭘرايثيرتش"، سرعان ما أصبح رمزاً لقوة الحياة الخالدة على الأرض. ولكن ما الذي يدور في فراغِ رأس هذا الكائن الفطري، ظلّ لغزاً في قصيدة الشاعر.
قصائده هذه فتحت أفقاً جديداً للشعر الويلزي المكتوب بالانكليزية، عبر رؤية واقعية لحقيقة المواطن الويلزي المُجدب الفقير. قصيدة "فلاح" التي اخترتها هي واحدة من أشهر هذه القصائد.
فلاح
إياكو ﭘرايثيرتش، هذا هو اسمُه
مجرد رجلٍ في هضابِ ويلز الجرداء
مع زريبةِ خرافِه الحصينةِ من الريحِ والمطر.
وبتكشيرةِ رضا نصفِ قانعة يبترُ عروقَ الشمندر،
ويشظّي القشرةَ الخضراء عن العضُدِ الأصفرِ،
أو يبعثرُ التربةَ الخام غباراً يومض في الريح.
هكذا تُقضى أيامُه، ومسرتُه أندرُ من الشمس
التي تشقّقُ وجنتيْ السماءِ الشاحبة ربما مرةً كلَّ أسبوع.
وفي المساءِ تراه مُسمّراً على كرسيه
دونَ حراكٍ، سوى لحظةَ ينحني ليبصقَ في النار.
ثمة شيءٌ ما مخيف في فراغِ رأسه،
ملابسُه الحامضة، بفعل سنوات العرق
وملامسةِ الحيوان، تصدمُ الحاسةَ المرهفة،
المُصطنعةَ ربما، بطبيعتِها القاسية.
هذا هو نموذجُك إذنْ، الذي يحفظُ خزينَه المنيع،
فصلاً بعد فصلٍ، وفي وجهِ المطر واستنزاف الريح،
حتى في ساعةِ الموتِ المربكة.
فلتتذكره، إذنْ، هو الرابح أيضاً في حروبه،
الصابرُ كشجرةٍ تحت الأنجمِ العجيبة.