اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ناس وعدالة > في زمن الدمار والقتل.. يبقى الأب هو المذنب والجاني في نظر الابناء

في زمن الدمار والقتل.. يبقى الأب هو المذنب والجاني في نظر الابناء

نشر في: 11 يوليو, 2016: 12:01 ص

  لم يعد للسّاعات الجميلة من ساحات سوى العبور الى مفترق الذكرى. حنين العودة الى الأمس الغابر ينتج في ملامح نظرة العين لوحةً فنية يوقّعها العذاب. في عقول العراقيين الذين أجبروا على الترحال  كما في قلوبهم ثقل الذكريات العتيقة يضني حاضر الفرقة

  لم يعد للسّاعات الجميلة من ساحات سوى العبور الى مفترق الذكرى. حنين العودة الى الأمس الغابر ينتج في ملامح نظرة العين لوحةً فنية يوقّعها العذاب. في عقول العراقيين الذين أجبروا على الترحال  كما في قلوبهم ثقل الذكريات العتيقة يضني حاضر الفرقة. أسواقٌ ومنازل وأحبة ورائحة أطعمة، كلّها أضحت محض سرابٍ في زمن الدمار والقتل . الأبن قد لا يعرف أباه سوى بصورة مذنبٍ وقاتل وكأن الواقع بحاجةٍ الى اصطياد فريسةٍ يصرِف فيها القلب احساس الخيبة المدوّي .

الاب المذنب دائما
من اكثر مظاهر تفكك العائلة العراقية  فتكاً ، التشرذمات الداخلية التي تعتري علاقة الابناء بآبائهم، والتي تترافق مع مشاكل نفسيّة تصل الى مراحل متقدّمة. قصّة عائلة ابو عامر صاحب اسواق في مدينة تكريت ، الذي حوّلته داعش الى مرتحلٍ قسري في بغداد ،  هي أحد هذه المفترقات الصعبة في حياة انسانٍ، كتب القدر صراعه مع فلذة كبده. كان يجلس في احدى المقاهي  حين التقيناه واخبرنا القصّة وكأنه كان يريد الشكوى لأحدٍ ينصت الى وجعه. يقول: "كنت أملك محلاً صغيراً في مدينة تكريت حيث اقطن وزوجتي بسلام، وكان ابني يعيش في بيتٍ مستقل قريب منا بعدما تزوّج وانجب فتاة. عند تطور الاوضاع في المدينة، رفضت التخلي عن مصدر رزقي ومنزلي وقرّرت الصمود في الحي الذي كان مهدّداً يومياً باندلاع الشرارة فيه. ابني كان يرغب في الانتقال الى منطقة اكثر أمناً، لكنني لم اوافق على تخلّيه عن إعالتي في المحل  الصغير والحفاظ على الارث المهني والعائلي".
يوم وصلت القذائف الى الشارع الممتلئ سكينة، تحوّلت الارصفة والمحال والمنازل فيه الى دمار. اما منزل ابني عامر  فشهد على تراجيديا. يضيف: "تعالت اصداء القصف بشكلٍ مفاجئ، فأصابت قذيفةٌ منزل ابني المجاور، وسقطت زوجته سارة قتيلة على الفور، في حين كان وابنته خارجاً. لدى وصوله أصيب بصدمة لا يزال يعاني آثارها حتى اليوم، فلم يتقبّل مشهد الموت المفاجئ، حيث دفنت زوجته مع استحالة اقامة عزاء وفاتحة  في ظل الظروف الحرجة. حمّلني مسؤولية ما جرى، ولا يزال بعد مرور 3 سنوات يحاول تأنيبي بطرق عدّة لأنني رفضت مغادرة تكريت كما كان يرغب .
الانتقال الى بغداد  كان بمثابة رصاصةٍ أخيرة. "تدهور الوضع في تكريت أجبرنا على النزوح حيث تركت الطفلة بصحبة والدي امّها في تكريت ، ووصلنا الى بغداد مجرّدين من المال والغذاء، حتى وجد عامر عملاً في محل لنقل البضائع. يقول ان الراتب لا يكفي، ويمتنع عن شراء جميع ادويتي، وحين اطالبه بالقليل من المال ينصحني بالمغادرة وعدم العودة لأنني قاتل ويجب ان لا اعيش. امه تتداركه اكثر، خصوصاً حين يختلي بنفسه لساعات ويرفض الحديث مع احد. يصل من العمل دون ان يتكلّم معنا، وحالته النفسية غير مستقّرة".
الحروب تقضي على الرفاهية
الدكتورة في علم النفس التربوي ابتسام السعدون  تشرح في حديثٍ  الصراع الاقتصادي الاجتماعي الذي تسفر عنه النزاعات: "الحروب تقضي على الاقتصاد كخطوة أولى، وهي عندما تفقد الانسان مظاهر الرفاهية والعيش الرغيد، تقهقر العائلة التي يتغيّر نمط عيشها كلياً ويتحوّل الى تقشف تشوبه مظاهر الجوع والحاجة الى المال. هذا اضافةً الى الانتقال الى ثقافة عيش جديدة تحتِّمها عملية النزوح، حيث مسألة السكن في غرفة او بيت متواضع تزيد الأمور ضبابية، خصوصاً في حال عدم قدرتهم على ممارسة طقوسهم وعوائدهم الدائمة".
وتلفت الى ان "الاطفال وحدهم يستطيعون التأقلم مع واقع النزوح فلا يشعرون بقسوة التشرذم العائلي لأنهم يجهلون مكامن اللعبة ويهتمون بالتسلية، إلا انهم مستقبلاً سيواجهون مشكلة عدم الاندماج نفسها، لأن دور الأهل الضاغط سيمنعهم من إمكان التخالط وتبني مظاهر المجتمع البغدادي  الذي بدوره لا يستقبلهم برحابة مطلقة". وحول دخول منطق الموت في القصّة يعتبر ان "من الطبيعي تحميل الاب المسؤولية الكاملة عن موت الزوجة لأنه كان صاحب القرار في الصمود والحفاظ على المقتنيات، وعادةً ما تأخذ هذه القرارات طابع التخيير بين المجهول وفرصة النجاة. كما ان العلاقة بين الزوجين لها اثرها الخاص في النفوس، فهو يكون قد استقرّ عن اهله وأسس حياةً خاصة بعيدة من الابوين، وتصبح الزوجة المحور الاساس في يومياته. موتها بطريقة مأسوية تزامناً مع الابتعاد عن الوطن والحالة الاقتصادية المزرية  تنتج واقعاً تعتريه المشكلات النفسية والاضطرابات السلوكية .
في الختام نقول ان  الحرب على الارهاب  لا تستثني أحداً  قد تبقى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية فيها العنصر الاقل شراسة رغم فتكها بالعائلات . الا ان للنزاعات الانسانية نتائج اكثر حدّة  منها الاتجار بالبشر وتهالك الطفولة. لو كان في الحروب منتصر واحد، لما دفع الجميع الضريبة وعادوا يتغنّون بنهايتها من على عكّاز ... او كرسيٍّ متحرّك .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

كانت ليلة من ليالي رمضان، تناول الزوج (س) فطوره على عجل وارتدى ملابسه وودّع زوجته، كان الأمر عادياً، لكن لسبب تجهّله، دمعت عينا الزوجة. ابتسم في وجهها وهَمَّ بالخروج الى عمله بمحطة الوقود الخاصة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram