TOP

جريدة المدى > عام > المقالة عند سعيد عدنان.. عمق المفهوم وجماليات التمثّل

المقالة عند سعيد عدنان.. عمق المفهوم وجماليات التمثّل

نشر في: 11 يوليو, 2016: 12:01 ص

|  القسم الاول  |عالم المقالة عند سعيد عدنان متماسك المداخل والمخارج ،متّسق في إطاره النظريّ وممارسته الكتابيّة له ،وتوضّح دراساته استغراقه المعمّق في دراسة تاريخ المقالة العربية ،وأبرز التجارب الابداعية فيها ،و صدر له من الكتب:1- (علي جواد

|  القسم الاول  |

عالم المقالة عند سعيد عدنان متماسك المداخل والمخارج ،متّسق في إطاره النظريّ وممارسته الكتابيّة له ،وتوضّح دراساته استغراقه المعمّق في دراسة تاريخ المقالة العربية ،وأبرز التجارب الابداعية فيها ،و صدر له من الكتب:
1- (علي جواد الطاهر الناقد المقاليّ )،في طبعتين .
2- (أدب المقالة وأدباؤها ) ،2013م.
3- (في أفق الأدب )،2014م.
فضلاً عن سلسلة مقالاته ودراساته المنشورة في بعض الصحف والمجلات العراقية والعربيّة.

- 1-
يكشف كتابه (أدب المقالة وأدباؤها ) عن اهتمامه القديم بهذا الجنس الأدبيّ الحيّ ،فهو ليس انشغالاً طارئاً عليه ،ولكنه نتاج قراءة فاحصة دقيقة منذ مرحلة التأسيس الثقافيّ الأول،إذ اضطلعت مجلات عراقية وعربية رصينة في استقطاب أعلام الأدباء لكتابة مقالات فيها ،ممّا أسهم في الترويج لقراءتها ،وإشاعة تقاليد جادة في (تلقّي ) المقالة و(تذوّقها) ،وكما للشعر جمهوره المثقف المتابع لتطوراته وإنجازاته ،فللمقالة جمهورها أيضاً  من الطليعة المثقفة المواكبة لمستجداتها ونصوص أعلامها ،ومنهم د.سعيد عدنان الذي يصف هذه المرحلة التأسيسية قائلاً : " كان من حسن التوفيق أنّ من أوائل ما قرأتُ في مطلع الحياة كتب طه حسين ،كالأيام وحديث الأربعاء ،وغيرها مّما ضمّ مقالاته ،التي تأخذ قارئها بحلاوة النغم ،وسحر الإيقاع ،ورحابة الأفق ،وكانت مع ذلك نافذة على كتب الآخرين من رصفائه كالزيات والمازني ،ومن تلاهما كزكي نجيب محمود ،وعلي جواد الطاهر وآخرين ،وقد بقيت تلك الكتب قريبة مني ألمّ بها ،ولا أملّ قراءتها ،أتذوق حلاوة اللفظ ،ورهافة المعنى ،وانسجام البناء "(ص8).
وتلتْ تلك المرحلة من القراءة الحرّة مرحلة الطلب الجامعيّ ،على وفق أسس من الدراسة المنضبطة منهجيّاً وعلمياً ،في حقبة كانت الجامعة العراقية مازالت تشعّ بأعلامها من الأساتيذ المشهود لهم بالرصانة العلميّة ،فكان لقاؤه بالدكتور علي جواد الطاهر أبي المقالة في العراق  ،في كلية الآداب (1980- 1981) لحظة دفع  معزّزة لاهتمامه المبكر  "فأمضينا مع المقالة والطاهر في ذلك الشتاء فصلا دراسيّاً لا أمتع  منه ولا أرقى " (ص9).
في مقدمة الكتاب مدخل تاريخيّ نقديّ ،يمرّ به على حقب مفصلية مهمة في ازدهار المقالة العربية في بدايات القرن العشرين وما تلاها ،ويعزو ذلك إلى جو الحرية الفكريّة ،والتطلّع إلى الجديد ،وانتعاش الصحافة ،والانفتاح المدروس على الغرب ،التي سادت أوساط المثقفين في مصر وبلاد الشام ،بمن فيهم  الطليعة المتفتّحة من رجال الدين كالأفغاني ومحمد عبده ،حرية الفكر التي أدّت إلى الجرأة في التعامل مع اللغة ،وتحطيم كل القيود  اللفظية الجامدة والقوالب الأسلوبية  المفرغة من محتواها ،التي يمكن أن تفسد الصلة بين دواخل الكاتب وقلمه ،أو تقف حاجزاً بينه وبين تدفّق مكنوناته ،فشهدت المقالة قبل غيرها الثورات الأدبيّة التحرريّة نحو الانعتاق والخلق الفني الجديد.
و لم يقف عند حدود دراسة التجارب الطليعية من رواد المقالة أمثال (أحمد لطفي السيد ) و(طه حسين ) و(الزيات) و(المازني) ،مما هو شائع ومعروف في تاريخ المقالة ،بل مدّ دراسته إلى تجارب أخرى احتفى بها ،منها – مثلاً – مقالات (جبران خليل جبران ) ،إذ  هو " يجنح بها نحو الشعر لغة وخيالاً وعاطفة متدفقة وفكراً ،له من الشعر حرارته وجموحه ،وإذا كان الوضوح مما يتقصده كاتبو المقالة  ويهيئون أسبابه ،فإنّ جبران كان ينشر في نسيج مقالته ظلالاً من الغموض، فيجعلها توحي إيحاء خفياً يثري معناها ،ويمدّها بأسباب الحياة على السنين" (ص19) ،موجّهاً عناية قارئه إلى ثراء هذه المقالات أسلوبيّاً  " كان من خصيصة كتابته المقالية الرمز والكناية والنزوع نحو التصوير، إذ  يمزج بين المجرد والمحسوس ،ويتخذ من المحسوس وسيلة يصور بها المجرد ،ولم يهمل اتساق النغم وحلاوة الإيقاع ،فاقترب من الغنائية التي هي من صميم الشعر ،ويقيم كل ذلك على الوجازة في اللمحة الدالة والإشارة الموحية " (ص20).
وإذا وجدت مجلات (المقتطف) و(الهلال) و(الرسالة) حظوظها الوفيرة من عناية الدارسين في بيان آثارها في ازدهار الحياة الثقافية في النصف الأول من القرن العشرين ،فإنّ المؤلف حرص على استكمال ومتابعة أدوار مجلات أخرى ،صدرت في النصف الثاني من ذلك القرن ،واحتضنتْ تجارب مقالية متميزة ،ومنها مجلة (المعلم الجديد) في العراق ،وكتب فيها في من ْكتب علي جواد الطاهر ومهدي المخزومي ،ومجلة ( العربي) الكويتية ،وكتب فيها في من كتب  د.شاكر مصطفى  وهو من سوريا ،وللمقالة الأدبية في سوريا تاريخ مضيء كان قد ازدان من قبل بأسماء علي الطنطاوي وسامي الدهان وشكري فيصل  وغيرهم .....فكتب المقالة الأدبية منطلقاً من حوادث صغيرة ما أكثر ما أهملها المؤرخون وألقوا بها في بئر النسيان ،غافلين عما تنطوي عليه  ،يأخذ الحادثة التي وقعت على هامش التاريخ ،وينفض عنها الغبار ويستنطقها فإذا بها بين يديه فصيحة مبينة " (ص34-35).                                                      ولم يقف المؤلف عند حدود أعلام المدرسة المصرية ،فمن فضائل هذا الكتاب انفتاحه على التجارب العربية الأخرى في سورية وفلسطين والعراق ولبنان ،كاشفاً ملامح التباين فيما بينها .

- 2-
يحتفي المؤلف بالمقالة لأنها رحبة المضمون ،كالبوتقة التي تنصهر فيها أحداث التاريخ والفلسفة والنقد والسياسة والدين ،ولأنها أيضاً رحبة الشكل تنفتح على تقنيات الأجناس الأخرى ،فيها قسمات من الشعر والقصة والمسرحية والخبر والخاطرة ،مؤكّداً بشكل خاص على بصمة الشعر الواضحة عليها عند مبدعيها ، ليس بتوظيف تقنيات اللغة الشعرية فحسب :المجاز والتشبيه والرمز ....وغيرها ،بل بتقطير التجربة عبر مسارب الوجدان "ذلك أنّ المقالة الأدبيّة صنو القصيدة الغنائيّة كلتاهما تعلو إذا ما سلكتْ سبيل البوح وبثّ المواجد" (ص155) ،وليست مصادفة أنّ كثيراً من أعلام المقالة عالجوا الشعر في بداياتهم ،أو شكّل الشعر عصباً أساسياً في تكوينهم الثقافي ،أوهم شعراء في المقام الأول ،وتثير عنايته هنا مقالات (نزار قباني) و(محمود درويش). وهو في تحليله النقديّ للنماذج المختارة من تلك المقالات  حريص على تمييز الخصائص النوعية لكل مفصل ضمن  بنائها الفنيّ :
1- العنوان  2- الاستهلال 3- العناصر البنائية الأخرى : (الزمان ،المكان ،الأداء أو طريقة العرض ،الحوار ،المفارقة ، الاقتباس ......)  4- الخاتمة .موجّهاً عناية القارئ إلى الفروق الأسلوبية بين :
(  المقال النقديّ )     و (المقالة الأدبية ) ،  وقد رصد ثلاثة اتجاهات فيها ،هي :
1- مقالة القضية     2- مقالة الشخص    3- مقالة البوح.
وهو في ذلك يعي تماماً أنّ كل اتجاه منها يستقلّ بمزايا خاصة في الأداء الأسلوبي ،وفي ما خلف الأداء من منظور الكاتب وفكره. يصف – مثلاً – مقالات (الزيّات ) : "إذا كانت مقالات الفكر تبسط أفكاراً،وتقيم عليها الدليل ،فإنّ مقالات الشخصية تقف عند شخصيات لقيها الزيات ،راسمة ملامحها ،معربة عن خلجاتها ،مصورة ما لها من مزايا وعيوب .....تقترب من القصة  ،وتقتبس من المشهد المسرحي  ،وتشم نبضات الشعر"(ص149).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. مهند الياسري

    حقيقة ان د.سعيد اكبر من ان تحده سطور فهو اسطورة اللغة الغربية المعاصرة وشيخ اساتيذها وبارع في كل شيء واكثر ما يميزه هو شخصيته وقدرته في التأثير في المقابل وبالواقع انه رمز للاستاذ الناجح المتكامل وبأمكاني ان اكتب عن مواصفات الاستاذ الناجح _كيف تكون استاذا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram