إلى الفشل الأمني يعود نجاح الإرهابيين في تنفيذ عملية الكرّادة الإرهابية الفريدة من نوعها حتى الآن، وكل ما سبقها من عمليات السابقة، كبيرة وصغيرة، كما في الفشل العسكري يتمثّل العنصر الأساس في كارثة احتلال داعش ثلث مساحة البلاد في عملية مذهلة، إذ لم يستطع جيش جرّار وشرطة هائلة العدد في صدّ بضع مئات من شذّاذ آفاق يؤلّفون عصابة.
كلا الفشلين يرجع سببه المباشر إلى الفساد الإداري والمالي، وتمتدّ جذوره إلى حاضنة هذا الفساد، نظام المحاصصة المستندة إليه العملية السياسية، والمُعتَمد في إدارة الدولة من قمتها إلى حضيضها.
ليس الفشل الأمني والعسكري هو العاقبة الوحيدة لنظام المحاصصة ووليده الشرعي الفساد الإداري والمالي، فانهيار الاقتصاد الوطني وتحلّل نظام الخدمات العامة والتخلّف الاجتماعي وتفاقم مستويات الفقر والبطالة والأمية هي أيضاً من نواتج نظام المحاصصة الطائفية والقومية الذي انتهى مطافه إلى نظام للمحاصصة الحزبية.
في السابق لم تكن القيادات الحزبية الحاكمة تقرّ بهذه الحقيقة، لأن نظام المحاصصة يخدم مصالحها الشخصية والحزبية، لكنّ المزيد منها مضطر الآن للاعتراف بأن علّة العلل لدينا تكمن في نظام المحاصصة.
هذا الاعتراف ليس ناجماً عن إدراك متأخر أو صحوة ضمير وإنما لأن كل الناس باتت تتلمّس عواقب هذا النظام وترفع الصوت عالياً في سبيل الخروج منه. الناس أدركت أن دعوى تمثيل المكوّنات بموجب هذا النظام كذبة كبيرة، وأن ذريعة تحقيق التوازن السياسي والمجتمعي بموجب هذا النظام هي الأخرى كذبة كبيرة، وأن حجّة الحفاظ على العملية السياسية وتأمين الانتقال إلى النظام الديمقراطي المنشود هي كذبة كبرى أيضاً. الناس عرفت أنّ القيادات السياسية الحاكمة إنما تتمسك بهذه الأكاذيب ضماناً لمطامعها في السلطة والنفوذ والمال.
عندما تقدّم وزير الداخلية المستقيل، محمد الغبّان، إلى رئيس الوزراء بطلب استقالته غداة عملية الكرادة، أفادت وسائل الإعلام بأن زعيم الحزب الذي ينتمي إليه الغبان (منظمة بدر) دعا رئيس الوزراء إلى قبول الاستقالة، ويومها توهّمنا بأننا أخيراً حظينا بحزب سياسي حاكم يتحلّى بفضيلة تحمّل المسؤولية عن فشل ممثليه في السلطة، لكنّنا الآن نصحو على تصريحات تعلن أن منظمة بدر لا تقبل بأن يتولّى الداخلية شخص من خارج المنظمة، كما لو أن الوزارة مسجلة بالطابو لها!
بالطبع ليست منظمة بدر وحدها تتحكّم بها مثل هذه العقلية. كل الأحزاب الحاكمة، وهي في معظمها إسلامية، تتشبث بالمواقع التي احتلتها بموجب نظام المحاصصة الذي دفع إلى قيادات الدولة وزراء ووكلاء ومدراء ومحافظين فاشلين وفاسدين، وهم مَنْ يتسبّب بكل هذا الفشل في المؤسسة الأمنية والمؤسسة العسكرية وفي سائر مؤسسات الدولة من دون أي استثناء.
التمسّك بنظام فاشل لا يؤول إلا إلى مزيد من الفشل. وفي العراق يعني الفشل، بخاصة في الميدان الأمني والعسكري، المزيد من نجاح الإرهابيين في تحقيق أهدافهم والمزيد من عمليات القتل الجماعي والتدمير، كالتي حصلت في الكرادة أخيراً، وكالتي حصلت من قبل في سبايكر وسواها.
ليس من حق منظمة بدر التمسّك بوزارة الداخلية ما دام وزيرها لم ينجح في تحقيق ما كان مأمولاً منه، ولا حقّ لحزب الدعوة بالتمسك برئاسة الوزراء ما دام قد فشل ثلاثة من قياداته في أربع دورات حكومية في تحقيق تعهّداتهم وجلب الأمن والاستقرار والرفاه للعراقيين. هذا يسري على: المجلس الأعلى وحزب الفضيلة وكتلة الأحرار واتحاد القوى والوطنية وكل الذين حكمونا منذ 2003 حتى اليوم... لا حقّ لهم بالإصرار على الفشل الذي يدفع العراقيون أرواحهم ودماءهم وممتلكاتهم ثمناً له.
التمسُّك بالفشل
[post-views]
نشر في: 12 يوليو, 2016: 06:38 م
جميع التعليقات 2
د عادل على
حتى تركيا لم تكن قادرة على احتلال ثلث العراق بهده السرعه الخارقه------انها كانت مؤامرة وهده المؤامرة مستمرة------وجلب الدبابات الى بغداد هو للدفاع وصد هجمات كهجمة الكرادة----لنرجع الى الوراء ونستعرض ماقام به الداعش-الداعش لوحده ليس بقادر على احتلال ع
ابراهيم الشمري
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم. .اﻻستاذ العزيز. . ﻻ ادري هل ان حضرتكم لم تكتشف لحد اﻵن طبيعة الطغمة الفاشلة التي تحكمنا وأهدافها وما تسعى إليه؟ ببساطة ايها الصديق الكريم ان هؤﻻء الحكام لن يتركوا الحكم حتى وان فشلوا في الانتخابات وقد قالها كبير