يعصرون رؤوسهم بأيديهم ويهدرون صحتهم وحياتهم .. يهجرون الحياة الساخنة ويختارون المقاعد الباردة ويقاتلون في سبيل الاحتفاظ بها ..يعانون ويتعذبون لينالوا السلطة وعندما يملكونها يبلغون قمة العذاب، فالحرص عليها عذاب والتخلي عنها عذاب ...وفي تلك الرحلة التي يقطعها الانسان منذ خروجه من بطن أمه عارياً وحتى يتمدد في النعش عارياً ايضا ، يعيش لحظات مدجّجة بالعناء والشقاء ليبلغ القمة محاولاً التستر بأشكال وألوان وأحجام مختلفة من ورق التوت يضع بعضها على فمه واخرى على عينيه وثالثة على قلبه ، لكن عقله يظل متفتحاً ولاتدور في فلكه الا فكرة واحدة هي الوصول الى السلطة والبقاء فيها ..خلال تلك الرحلة ، يحمل الانسان ألوية مختلفة ويطلق شعارات يطرق بها القلوب قبل الآذان ويتخذ أهدافا يعد بتحقيقها وقد ينساها بمجرد اعتلائه الكرسي وقد يدعس الكثيرين بقدمه ليبلغ القمة ..
بعض اولئك الحالمين بالسلطة يعملون في سبيل هدف نزيه ، وفي النهاية يكتشفون ان هناك من يعمل في اتجاه معاكس محاولاً تدمير كل مايفعلوه وقد يعيشون لحظة انهيار كل شيء نزيه او ينفضون عنهم أفكارهم النظيفة ويضعون أيديهم في أيدي أعدائهم ، وفي أحسن الأحوال يموتون من اجل مبادئهم فيظهر غيرهم ثم يختفون ويبقى الكرسي سيداً والوصول اليه يستحق العناء ولكن ، هل فكر كل اولئك بأنهم ولدوا ليموتوا وعليهم ان ينتبهوا الى معاناة الناس وهم في طريقهم الى عُريهم الأخير ..
في بلدنا المبتلى بتعاقب عشاق كرسي السلطة والراغبين في الالتصاق به لأطول فترة ممكنة ، مازلنا نفتش عن رجل سياسة يضع مصلحة المواطن فوق مصلحته الشخصية ويضع سلامة الوطن فوق سلامته فكل من يعتلي كرسي السلطة تضيق نظرته حتى يكاد لايرى اكثر من أهداف حزبه او طائفته او قوميته ، وحين يبدأ عملية التغيير سيبدأ بإزالة أشخاص وإحاطة نفسه بآخرين من أقاربه او معارفه او شريحته ، أما عملية التنمية فستكون بتنمية موارده وتزايد أطماعه ، وحين يفكر في الإصلاح فلن يكون للقضاء على الفساد بل لترميم علاقاته مع من يدين لهم بالولاء او يدعمون مسيرته وبقاءه ملتصقاً بالكرسي !!
بعد تفجيرات الكرادة التي أعجزتنا مأساتها عن التعبير ، توقعنا أن يكف السياسيون قليلا عن خطاب التهديد والوعيد وان ينحنوا كما انحنى وزير الكهرباء الياباني عشرين دقيقة أمام اليابانيين لانقطاع الكهرباء عنهم لمدة عشرين دقيقة وأن يعتذروا ويقدموا استقالاتهم ، ولكن ، كم عاماً من الانحناء تكفي للتكفير عن تقصيرهم وإهمالهم واسترخاصهم الدم العراقي ...تمنينا ان نجد سياسياً يجيد إيثار ألم المواطنين على مصلحته ومصلحة حزبه لكن الاستئثار بالمقاعد اقوى من الإيثار ، والالتصاق بها اكثر إغراءً من مغادرتها ...ومن يتشبثون بها لايعبأون أبدا بمن سيدعسوه في طريقهم اليها ولن يهمهم تلوث ضمائرهم وخسارة نفوسهم وهم في طريقهم الى عُريهم الأخير !
إيثار.. واستئثار
[post-views]
نشر في: 15 يوليو, 2016: 09:01 م