TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الثورة "تعلس" أبناءها

الثورة "تعلس" أبناءها

نشر في: 15 يوليو, 2016: 09:01 م

مصطلح "العَلس" شاع استخدامه بين الأوساط الشعبية في سنوات العنف الطائفي ، منه دخلت  الى القاموس الشعبي مفردة  العلّاس ، الشخص المتبرع او المكلف بتقديم معلومات وافية دقيقة عن ضحية يبحث عنها "الصكّاكة" منفذو عمليات الاغتيال سواء بأسلحة مزودة بأجهزة كاتمة للصوت او بعبوة ناسفة . وعلى مدى السنوات الماضية ترك العلّاس في أذهان العراقيين صوراً مرعبة حين يتم الحديث عن نشاطه الواسع حتى داخل الثكنات العسكرية والدوائر الرسمية.
قبل ثورة الرابع عشر من تموز في عام 1958 كان العراقيون يعرفون "العلس"  بمعناه الآخر  "الشعب يعلس التبن" ، ليس شعاراً تبناه تنظيم سياسي في العهد الملكي، وانما هو تعبير شعبي  عن تردي الأوضاع الاقتصادية ، وانتشار الفقر في بلد نفطي سيطر الاستعمار على ثرواته الطبيعية ، فجعل العراقيين مثل البعير يحملون الذهب ويأكلون العاكول . في الذكرى الثامنة والخمسين لإقامة النظام الجمهوري ، هناك من يرى في ثورة تموز بداية خط الشروع نحو إقامة نظام ديمقراطي يحترم حقوق الانسان ، يرسّخ مبدأ التداول السلمي للسلطة ، يؤمن بالتعددية . هذه الأهداف وغيرها وردت في مذكرات شخصيات عسكرية شاركت في عملية الإطاحة بالنظام الملكي في العهد المباد ، على حد تعبير المتفائلين  في صنع مستقبل افضل للعراق بعد ان حقق  استقلاله الكامل من سيطرة  الاستعمار.
في المنطقة العربية  "الثورة تقتل أبناءها" ، الأمثلة والشواهد كثيرة في التاريخ  الحديث ، في العراق ثورة 14 تموز "علست" أبناءها ، لأسباب تتعلق بالاستحواذ على السلطة ، وسيطرة العسكر على مفاصل الدولة ، واندلاع خلاف سياسي تحول الى صراع  دموي تغذيه قوى اقليمية وجهات خارجية . الرئيس الراحل عبد السلام عارف حمل لقب قائد الثورات الثلاث ، أثناء إلقاء خطبة في إحدى المدن ، قاطعته الجماهير بالتصفيق والهتاف ، وفي لحظة استياء وغضب قال مقولته الشهيرة "خلّونا ناكل ...."  فجسَّد حالة "علس التبن" بشكل رسمي بمعنى آخر.
في العهد الملكي كان أحد كبار الإقطاعيين في الجنوب يفضل احتساء الشاي في مقهى قريب من  كراج السيارات المتوجهة الى بغداد ، رواد المقهى يستقبلونه بأجمل عبارات الترحيب ، لكنه كان يأمر مساعده بالرد : المحَفوظ يكلّك هلا ، الله بالخير محَفوظ ، ويرد المساعد:  المحفوظ يكول صبحكم الله بالخير . بعد الثورة ، تخلى الاقطاعي عن عادته السابقة ، أخذ يرد التحيات من دون الاستعانة بالمساعد ، لكنه في ذلك الوقت حذّر فلاحيه السابقين من إبداء الفرح بتطبيق قانون الإصلاح الزراعي ، فقال عبارته الشهيرة "الجمهورية سوف تجعلكم تعلسون التبن".
 في النظام الجمهوري بدأ العراق باستيراد الحنطة والشعير بعدما كان يصدرهما الى الخارج وحصلت هجرة واسعة من الريف الى المدينة ، حينذاك  استبشر المحَفوط خيراً ، استعد لاسترداد مجده المزعوم لكنه انتقل الى جوار ربه قبل ان "تعلس" الثورة أبناءها .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram