تتداول الأوساط السياسية هذه الأيام، حقيقة مفادها أنّ زعيم التيار الصدري استنفد أوراقه عندما اقتحم أنصاره المنطقة الخضراء في نيسان وأيار الماضيين، لكن ذلك لم يؤدّ إلى الإصلاح الصدري المنشود.
هذه الرؤية تكتسب صدقيتها من جهة تحليلية فقط، لكنها تنطوي على بعد خطير من ناحية سياسية.
فالمراقبون أشّروا منذ انطلاق الحراك الصدري افتقار الأخير إلى برنامج واضح، فضلا عن فشله في بناء تحالف سياسي يساعده على إطلاق موجة تغيير داخل النظام القائم، لا بل هو الآن يعاني من عزلة خانقة لا يبدّدها تحالفه الشكلي مع بعض الأصوات المدنيّة في الشارع.
الصدر وجمهوره بدوا مهتمين باستعراض القوة أكثر من تبنّيهم رؤية إصلاحية قابلة للتطبيق، وقادرة على كسر الجمود والانغلاق الذي تعاني منه العملية السياسية. هكذا يقول المحللون.
لكنّ تبنّي هذه الرؤية من قبل الكتل والأحزاب السياسيّة لا يعدُّ مؤشراً طيباً في أيّ حال من الاحوال، لأنها ببساطة تكشف عن حجم الهوة بين الساسة والمجتمع، كما تكشف عن عدم وعي وإدراك لخطورة الغليان الاجتماعي الذي يغذيه التيار الصدري بحضوره وتحشيده المتواصلين منذ انضمامه للحراك الشعبي قبل اكثر من عام.
فالكتل السياسية المتحاصصة والمتورطة بفساد وإفساد النظام السياسي، يحلو لها استعارة ما نكتبه كصحفيين وترديده، متناسيةً دورها في تنفيس الاحتقانات الاجتماعية، ونزع فتائل التوتر التي تغذي السخط الشعبي منذ 2011. لكنّ هذه الكتل والاحزاب فشلت إلا في ترسيخ جذورها على حساب الدولة ومواردها، وعلى حساب المواطن الذي يجد نفسه في متاهة سياسية تؤدي لذات الاحزاب وذات الرموز!
وبالعودة الى الحراك الصدري، فانه بالفعل فقد الكثير من أوراق التأثير التي كانت بيده، وآخرها ورقة كتلته النيابية التي غاب صوتها عن المشهد لصالح حضور "المعاون الجهادي" لزعيم التيار الصدري والمقربين منه. فلم يكن من الصواب تهميش كتلة برلمانية لها وزنها في البرلمان، وهي تمثّل دستورياً وقانونيا مطالب الشارع الصدري في مؤسسات الدولة العراقية.
ورغم ذلك، وخلافاً لما يتداوله المحللون وبعض الساسة، وخلافاً لما يعتقده حتى الصدريون أنفسهم، فإن الصدر يمتلك ورقة أخيرة ورابحة، وبإمكانه استخدامها لتحقيق أهداف حراكه، وهي ورقة "الحوار الوطني" الذي يجب ان يكون شاملا لكل المكونات السياسية والاثنوطائفية، من دون شروط مسبقة.
حتى الآن، فقد استخدم الصدر شتى وسائل الاحتجاج السلمي، الذي يعلن مرارا تمسّكه به حتى النهاية، لكنه لم يحقق إنجازاً ملحوظاً سوى استمرار حراكه بوتائر متباينة. لكنّ ذلك ينطوي على مخاطر قد تدفع أتباع التيار الصدري وحلفاءه من المتظاهرين لتبنّي خيار العنف الذي اقتربوا منه خلال اقتحام الخضراء خلافاً لرغبة زعيمهم نفسه.
لكنَّ ورقة "الحوار الوطني"، والحال هذه، تصطدم بعدم وجود سقف محدد لمطالب الصدر. أو فلنقل تصطدم بالسقف العالي لمطالب الصدر، التي يلخّصها بالسعي لكسر المحاصصة من دون بيان آليات ذلك، ومن دون طمأنة الشركاء في الوقت ذاته.
إلا ان ما يؤهل الصدر للعب هذه الورقة، هي الأجواء المؤاتية التي نشهدها، بعد قرار المحكمة الاتحادية بإلغاء جلستي البرلمان في نيسان. وتصفير المشهد السياسي بإعادته الى ما قبل مشروع "التعديل الوزاري الجوهري" الذي أطلقه العبادي في شباط الماضي.
وخلافاً لجميع الأطراف، فإن الصدر بات يتعكّز على جمهور منقاد له، ومطيع لتوجيهاته، بشكل لا نجده عند غيره، كما أنّ حراكه يلقى صدىً لدى فئات من خارج جمهوره ساخطة على مجمل الاوضاع. يضاف الى ذلك، فإن الحراك الصدري وضع الكتل السياسية في زاوية حرجة في مواجهة الشعب العراقي من خلال إصراره على محاربة الفساد وكسر المحاصصة.
وبتقديري فإن الصدر الآن، مؤهّل لترتيب طاولة حوار وطني يجتمع حولها كل الأطراف التي تمتلك بدورها رؤية خاصة عن إصلاح النظام السياسي، ومستقبل الشراكة في إدارة البلاد، والدور الذي يجب ان يلعبه العراق في المنطقة بعد فراغه من داعش.
أمام الصدر فرصة ذهبية لاستعادة رصيده السياسي، بل مضاعفة ما خسره خلال الفترة الماضية، عبر تبنّي هذا الخيار وإحراج الجميع وجرّهم جرّاً لما يريد من دون الحاجة إلى "اقتحام" أو "انقلاب" أو استعراض زيتونيّ.
هل يلعب الصدر آخر أوراقه؟
[post-views]
نشر في: 16 يوليو, 2016: 06:22 م