قليل هو الفرح في عالمنا ..اعتدنا أن نقول ذلك وان نشعر بذلك فنحن نحاسب أنفسنا على ضحكة من القلب خشية ان يعقبها حزن ، ونتجنب التخطيط لحدث مفرح خشية تحوِّله الى كارثة ، لذا نترك غالبا مقدراتنا للمصادفة والمفاجأة عسى ان تحمل لنا شيئا من الفرح غير المرتقب ...
الفرح الذي حلَّ بيننا اليوم بادراج اهوار العراق ضمن لائحة التراث العالمي لم يكن مفاجئاً لكنه كان كبيراً وجارفاً بعد سيول الحزن التي اغرقتنا مؤخرا منذ نزيف الكرادة، فتراثنا هو هويتنا العراقية وما فعله داعش من محاولات لطمس الهوية العراقية بتحطيم الآثار وازالة المعالم التاريخية كان ضربة موجعة لنا ولبلدنا ..
طوال سنوات ، كانت الاهوار كالجسد المريض ..عانت من عشرات العلل ..تجفيفها ..هجرة السكان ..غياب الخدمات ..اهمال الحكومات ..موت الطيور المائية والاسماك ..لكن جمالها الساحر كان يختبىء تحت شحوب ملامحها وكانت تنتظر ان تمتد لها يد حنونة لتسقيها جرعة الدواء التي تنعشها وتعيد اليها جمالها ...ولحسن حظها فقد حمل بعض عشاق جمالها هدف إحيائها فوق اكتافهم وجدّوا وثابروا من أجله حتى تحقق لهم ولنا ذلك ..
بعد غياب الدكتاتور الذي أساء بشدة الى جمال الأهوار حين قام بتجفيفها ، حل التغيير وانتظرت الاهوار ومثلها كل مواطن الجمال والثروات العراقية أن تمتد لها أيــدٍ حانية لكن جسدها ظل مثخناً بالألم والعجز وانتقلت الثروات العراقية الى جيوب المسؤولين والدول الاخرى ..ولأن السعادة تبدو دائما ضئيلة عندما نحملها بأيدينا الصغيرة وتصبح كبيرة وثمينة حين نتعلم كيف نتشارك فيها ، فقد طرقت السعادة باب الاهوار اخيرا عندما تشارك عدد من المخلصين حلم انعاشها وتخليصها من أمراضها المزمنة ..
بهذه الطريقة يلـدُ الفرح العراقي من رحم الازمات وتعود البسمة لتضيء الوجوه الحزينة، فانضمام الاهوار الى لائحة التراث العالمي يعني أن تكون منطقة محرَّمة لا يجوز الحرب فيها ، وألا تخشى بعد الآن من خطر تجفيفها وقطع المياه عنها من دول الجوار ، وان تبقى معالمها التراثية والأثرية كما هي من دون تغيير او عبث مقصود او اهمال غير مقصود فهي ستصبح منطقة سياحية عالمية وقبلة للسياح والزوار ما يوفر العملة الصعبة للبلد وتحت اشراف الأمم المتحدة المسؤولة عن توفير حماية كاملة لها ، لكن ذلك سيحتاج الى مشاركة من نوع جديد ، فكل مواطن عراقي مسؤول حاليا عن نجاح قرار إدراج الآثار ضمن لائحة التراث العالمي بمراقبة كيفية ادارة الأموال التي ستخصص لإنعاش الاهوار واسلوب حماية بنود القرار التي تحتم التزام دول الجوار بتوفير الماء اللازم لها وإبعادها عن خطر التناحرات السياسية والاهتمام بمتطلبات سكانها من خدمات وتعليم ورعاية صحية ...عسى ان يصبح الفرح ضيفاً دائماً لدينا وليس مصادفة أو مفاجأة نخشى من فقدانها .
ضيف.. في الأهوار
[post-views]
نشر في: 18 يوليو, 2016: 09:01 م