من تلقاء نفسه وبرضاه، يُصرّ مجلس النواب على الدفع بنا سنة بعد أخرى، بل يوماً بعد يوم، إلى خفض منسوب احترامنا وتقديرنا له وإنقاص جرعة تعويلنا عليه، وعلى الدولة بكاملها لكون المجلس الهيئة الأرفع مقاماً والأهم مسؤولية في هذه الدولة.
في لحظة حرجة من تاريخنا الراهن، اختار هذا المجلس، الذي تراجع احترام الناس له في السنة الأخيرة إلى مستوى الحضيض، أن ينقسم على نفسه ويعطّل أعماله على خلفية صراعات شخصية وحزبية على الامتيازات والمناصب، وإن غلّفها المتصارعون بمزاعم الإصلاح من جهة والدفاع عن الشرعية الدستورية من جهة أخرى، فلا الجهة الأولى إصلاحية ولا الجهة الثانية مخلصة للدستور وأمينة على أحكامه.
وفي اللحظة الحرجة نفسها، وهي لحظة الهجوم الكبير المضاد على داعش ولحظة استحقاق الإصلاحات التي تعهّدَ بها المجلس والحكومة منذ سنة، اختار المجلس أن يتمتع بإجازته الصيفية بكامل أيامها وبكل رفاهية الإجازة الصيفية، كما لو أنّ البلاد ليست في حال حرب وطنية ضروس مع عدوّ همجيّ شديد البأس تقتضي أن يكون أعضاء مجلس النواب ليس فقط تحت قبة مجلسهم وإنما أيضاً في الخطوط الخلفية لتقديم الدعم المعنوي للقوات المسلحة وللوقوف على ترتيبات إيواء النازحين من الرمادي والفلوجة وسواها من المدن المحرَّرة. بل إنّ المجلس لم يستحِ على نفسه فيتداعى إلى جلسة استثنائية غداة العملية الإرهابية الكبرى في الكرادة!
آخر الإجراءات غير المحترمة لهذه الهيئة التي تُضحّي من تلقاء نفسها بهيبتها واحترامها، أنها أعدّت لنفسها قانوناً يمنح هيئة رئاستها وأعضاءها ولجانها امتيازاتٍ مضافة، بما فيها امتيازات مالية مُبالغٌ فيها، فيما الحكومة تستقطع من موظفي الدولة وعمّالها رسوماً وضرائب في إطار إجراءات التقشف التي أملاها انهيار أسعار النفط والكلفة المتفاقمة للحرب ضد داعش، وقبلهما النهب السافر للمال العام على أيدي الفاسدين، الذي جعل الحكومة الحالية ترث من سابقتها خزينة خاوية.
الدستور لم يتضمن أيّ حكم يخوّل مجلس النواب تشريع قانون خاص به. المادة 51 نصّت على أن " يضع مجلس النواب نظاماً داخلياً له لتنظيم سير العمل فيه". والقانون الذي أعدّه المجلس لنفسه هو مخالفة صريحة للدستور لا ينبغي القبول بها.
مرّةً أخرى، مجلس النواب يدفع بنا دفعاً برضاه إلى نزع الاحترام له والثقة به، فهو لا يشغله الآن شيء من أوضاع البلاد المزرية وأحوال الناس المتردية، فيوجّه اهتمامه إلى تشريع قانون له يُرسّخ امتيازات أعضائه وهيئة رئاسته ويزيدها، فيما يتوانى للسنة العاشرة على التوالي عن تشريع القوانين اللازمة لبناء الدولة وترسيخ النظام الديمقراطي الذي أقرّه الدستور وانتخب أعضاء المجلس في ثلاث دورات متتالية لبنائه وتوطيد أركانه، كقانون مجلس الاتحاد وقانون المحكمة الاتحادية العليا وقانون النفط والغاز وقانون خدمة العلم وقانون النقابات والاتحادات وقانون الحصول على المعلومات وتعديل قانون الأحزاب وقانون الانتخابات، وتفعيل قانون مجلس الخدمة العامة، وإجراء التعديلات على الدستور التي ألزم الدستور نفسه بإجرائها في غضون سنة من تشكيل أول مجلس نواب منتخب في 2006.
كلُّ هذا توانى مجلس النواب عن تشريعه، وربما تعمّد عدم تشريعه، فيما يبادر بعد عطلة طويلة له إلى السعي لتشريع قانون يُثبّت فيه ويضاعف امتيازات لأعضائه لا يستحقون أيّاً منها.
مجلس نوابنا يؤكد اليوم بعد الآخر أنّه هيئة غير جديرة بأيِّ قدرٍ من الاحترام.
هيبةُ مجلسِ النوّاب في مهبِّ الريح
[post-views]
نشر في: 19 يوليو, 2016: 06:03 م
جميع التعليقات 1
علاء البياتي
عزيزي ابو فرح ..عندما تتكلم عن هيبة مجلس النواب هي بالضبط كمن يتحدث مع مموس عن الشرف