تستمرّ الحكايات والقصص المسرّبة من أوراق المحاكم في الظهور على السطح إذ يتناقلها المحامون والمختصون بشؤون المجتمع للكشف عن نمط الحياة الجديدة التي تعتمدها بعض الاسر في مجتمعنا. آخر تلك الحكايات قصّة ( ز ) ابنة أحد الشخصيات المهمة في المجتمع&nbs
تستمرّ الحكايات والقصص المسرّبة من أوراق المحاكم في الظهور على السطح إذ يتناقلها المحامون والمختصون بشؤون المجتمع للكشف عن نمط الحياة الجديدة التي تعتمدها بعض الاسر في مجتمعنا. آخر تلك الحكايات قصّة ( ز ) ابنة أحد الشخصيات المهمة في المجتمع ذات النفوذ الواسع . ( ز ) كغيرها من النساء ضحيّة السلطة الأبوية والحياة المنغلقة .
بدأت حكاية ( ز ) بعدما عادت إلى العراق من الخارج . لم تلبث أن اعتادت الجوّ المهيمن في منزل والدها، حتى أجبرها هذا الأخير على الزواج من شاب منخرط في الحياة العسكرية عمره تسعة عشر عاماً ، فيما ( ز ) في الخامسة عشرة . تقول لي انها لم تكن مستعدّة لهذا الزواج لا نفسياً ولا فيزيولوجياً وأنها "تزوّجته رغماً عنّها، لم يكن بإمكانها الرفض أو حتى القبول. زواجي من طليقي كان خيار والدي ولم يكن يحق لي الاعتراض أو إبداء رأيي، لم يكن لدي رأي أصلاً! تزوجته وكان عمري 15 سنة، وكنت قد بلغت منذ أربعة أشهر فقط". أحبّها طليقها منذ النظرة الأولى، فكانت هي تلك الفتاة "الغريبة" عن المدينة ملامحها الأجنبية التي تجذب السكان. أراد الحصول عليها، فطلب يدها من والدها ، مسؤول الحماية لدى احدى الشخصيات المهمة والذي لم يكترث لأبعاد وتأثيرات الزواج المبكر والأصح لزواج قاصر. سكن معها في منزل حيث فرض أحكامه عليها: جعلها تضع الحجاب رغماً عنها، تطبخ وتنظف المنزل، منعها من اللهو مع أصدقائها. في هذا السياق تقول ( ز ) إنها رأت يوماً أصدقاءها يلعبون في ساحة قرب الدار ، فذهبت للعب معهم... أليس اللعب حقاً من حقوق الطفل؟ رآها حينها زوجها وهو كان عائداً إلى منزله "جنّ جنونه، راح يصرخ أنني أصبحت متزوجة ولا يحق لي اللعب مع أصدقائك أبداً. تعرّضت ( ز ) خلال هذا الزواج إلى عبء لا يمكنها تحمّله وتحوّلت من إنسان إلى "شيء" يهب المتعة ويتمّم واجباته المنزلية فقط. صحتها كانت عرضة للخطر أيضاً لأنّ جسدها الصغير لم يكن حينها مستعداً لخوض تجربة من هذا النوع. فواجهت اضطرابات في دورتها الشهرية وتأخر حملها، إذ أنجبت طفلتها وهي لا تبلغ سوى 18 سنة. تروي لنا ( ز ) "عندما أنجبت ابنتي، لم أكن أعرف كيفية التصرّف معها، كنت طفلة بحاجة إلى الاهتمام، فكيف كان عليّ أنّ أهتمّ أنا بطفلة أخرى؟ لم تستمتع ( ز ) لا بفترة الحمل ولا بشعور الأمومة التي لم تدرك قيمته إلا بعدما أصبحت في الرابعة والعشرين. حينذاك شعرَتْ بضرورة ماسة للبقاء إلى جانب ابنتها وتربيتها واحتضانها.
" العنف انتقاما للذكورية "
حُرمت ( ز ) من حقوقها الزوجية "بعد إنجابي لابنتي، كنت أطالب زوجي بحقوقي الزوجية غير أنه لم يستجب لذلك بذريعة شعوره الدائم بالتعب. لكن كان يحاول في بعض الأحيان ولكن من غير جدوى، فينهال عليّ بالضرب ويعنّفني مع كلّ محاولة فشل". كان يرغب زوجها في التحكّم بجسدها وتملّكه، ولكن عجزه عن فعل ذلك جنسياً كان يدفعه إلى استخدام العنف مع ( ز ) انتقاماً لذكوريّته ! رفضت ( ز ) هذا الظلم، فتحدثت مع والدها عمّا يحصل، فكان جوابه عبارة لا زالت تتذكرها (ز ) جيداً "مثل ما تحمّلت إمكّ، تحمّلي إنتي". مصير النساء الضرب والتعنيف والحرمان من الحقوق الزوجية. على الرغم من ذلك لم تيأس ( ز ) فتوجهت إلى الشيخ الذي عقد قرانها، وروت له ما حصل، فقرّر أن يطلّقها منه. جمعها مع والدها وزوجها حيث طلّقها فوراً، وكانت ( ز ) في العشرين من العمر وقتذاك . عادت ( ز ) إلى منزل والدها مع ابنتها، خلعت الحجاب، غير أنها لم تتحمّل ضغط والدها عليها ولومه الدائم لها، فقررت الرحيل هرباً من هذا الواقع المرير. بعدما أصبحت تشعر بالعزلة في مجتمع يهمّشها ويميّز الآخرين عليها: "أردت أن أنقذ نفسي وأن أحيا من جديد، فهربت عن لا وعي الى بيت خالتي واليوم والدي يحرمني من رؤية ابنتي الوحيدة". وترى أنّ والدها كي يبررّ فعلة ابنته أمام المجتمع، وطلاقها من زوجها الذي هو أحد المنتسبين اليه ، وهربها من منزله راح يقول للآخرين : "ابنتي ( خرجت عن الطاعة ) اليوم يفرض والدها شروطاً عليها لمصالحتها وإعطائها ابنتها من جديد أوّلها وضع الحجاب والنقاب وهذا يتعارض مع قناعات ( ز ) .
خضعت ( ز ) بعد الحادثة لعلاج نفسي لثلاث سنوات في لبنان وهي اليوم ما زالت محرومة من رؤية ابنتها. وتحاول قدر المستطاع النهوض من الحادثة، والمضيّ في حياتها كما لو أن شيئاً لم يكن. ( ز ) امرأة قويّة ، عصاميّة ، تجرّأت على الدفاع عن نفسها وتحصيل حقوقها بنفسها. تسعى أن تكون قدوة لنساء هن في صراع مستمرّ مع مجتمع ذكوري تأسره عقليات موروثة متحجرة بائدة .