قبل سنة ، في الواحد والعشرين من تموز عام ٢٠١٥، في غبش يوم ثقيل ، لفظ المعماري محمد مكية أنفاسه الأخيرة في المغترب ، وكانت آخر وصاياه :لا لتشييد صرح من مرايا ومرمر لتخليده ، ولا لنحت تمثال يُجسد منجزاته ، ولا ، ولا ، بل كانت آخر نبض في شرايينه …. بغداد .
أوصيكم ببغداد ، إستمعوا لنجواها ، إصغوا لصوتها ، تجدونه في ميس الشجر ، وهمسات سعف النخيل .في دفق ماء النهر، في الضحكات الصافية ، تجدونه في الطابوق ، في الخشب ، في زرقة الماء ، في سمرة وجوه الأهل ، أُطالب بعودة ديوان الكوفة لمكانه الطبيعي ببغداد،، سنوات عمري — التي شارفت المائة — لا تسعفني للقيام بالمهمة ، كلفت ولدي ( كنعان ) بالعمل معكم لتنفيذ هذي الوصية … بغداد جوهرة من جواهر العصر ، ربما تمرض حيناً ، ربما تمرض حيناُ ، لكنها لا تشيخ — ولا تموت — فزمن المدن العظيمة مغاير لتفسيرنا للزمن …. عندما غادرنا بغداد مضطرين ، عرفنا إن بعضاً من ذواتنا علق بها ، هناك بعيدا على ضفاف دجلة ، عبر الأزقة والمقاهي والشناشيل …. بعض من بغداد ظل فينا ، يتماوج بأحلامنا ، بطريقة تفكيرنا ، يتسلق مآذن إنجازاتنا .. ليست كل المدن تزاول هذا الفعل ، بغداد تستطيع ، و…و..
كان ديوان الكوفة بلندن — صرحاً ثقافياً فنياً علمياً مرموقاً — ملتقي االنخب العراقية والعربية ، وكانت جدران الطابق الثاني من المبنى معشوشبة بنفائس الكتب والمخطوطات ، ويُقال — والعهدة على القائل — إن تلك النفائس ، التي لا تقدر بثمن ، خضعت لمطرقة المنادي في مزاد علني عبر مزاد ( سوذبي ) الشهير ، الكائن بـ : نيو بوند ستريت ، في قلب لندن .
تلك الأضمامة الطويلة من قلائد القداح التي ما غادرها شذاها العبق ، كان الأولى بها ، أهلها لا الغرباء ، ومثابتها الأخيرة العراق ، لا دول الإغتراب .
منجزات محمد مكية كثيرة .. منها على سبيل المثال لا الحصر : جامع الخلفاء ببغداد . جامع السلطان قابوس في عُمان ، بوابة عيسى في البحرين ، مصرف الرافدين في الكوفة ، مقر جامعة الدول العربية في تونس . جامع الدولة الكبير في الكويت ،و……وشهادة التميز من ملكة بريطانيا .
الخلود والرحمة لمحمد مكية في ذكراه ، ووصمة عار بجبين مَن يدَّعي حبَّ العراق ظلماً وعدواناً وبُهتاناً .
مَـن يذكره؟!
[post-views]
نشر في: 24 يوليو, 2016: 09:01 م