ويضع الكثير من الرواة مسؤولية الانحياز لابي بكر على عاتق عمر بن الخطاب، فيقول ابن عباس أن عمرا قال لآل ابي طالب "إن قومكم كرهوا أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتذهبوا في السماء شمخا بذخا" (ابن ابي الحديد – شرح نهج البلاغة، الجزء الثاني- ص9) لكن ا
ويضع الكثير من الرواة مسؤولية الانحياز لابي بكر على عاتق عمر بن الخطاب، فيقول ابن عباس أن عمرا قال لآل ابي طالب "إن قومكم كرهوا أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتذهبوا في السماء شمخا بذخا" (ابن ابي الحديد – شرح نهج البلاغة، الجزء الثاني- ص9) لكن ابا بكرعندما تولى أكد دون خفاء "أنه لا يستطيع أن يسوس الناس بسياسة الرسول لاختلاف الطبيعة بين من كان له سلطان ديني وبين من ليس له هذا السلطان" فقد وقف يوم توليه الخلافة "أما والله ما أنا بخيركم ولقد كنت لمقامي هذا كارها، ولوددت أن فيكم من يكفيني" ثم يسأل " أفتظنون أني أعمل فيكم بسنة رسول الله؟ ألا لا أقوم بها، أن رسول الله كان يعصم بالوحي وكان معه ملك، وإن لي شيطانا يعتريني، ألا فراعوني فإن إستقمت فأعينوني وأن زغت فقوموني" (أبو جعفر الطوسي- تلخيص الشافي- الجزء الأول- ص9) وما أن ولي أبو بكر وفوجئ بالبعض من أهل الجزيرة يمنعون عنه الزكاة، حتى تشاور مع الصحابة وعلى رأسهم ابن الخطاب وإذ لمح التردد في كلمات ومواقف أهل الشورى مبررين الأمر بالضرورات التي تبيح المحظورات خالفهم جميعا معلنا في تشدد "والله لو منعوني عقال بعير كانوا يعطونها لرسول الله لقاتلتهم عليها" (ابن كثير – البداية والنهاية في الفتن والملاحم، الجزء السادس ص 311) وهكذا ومنذ البداية قرر أبو بكر أن الشورى غير ملزمة للحاكم. كما كان لعمر بن الخطاب خصوم من قومه ومن بني أمية، كانوا يكرهون فيه زهده وقوله "والله لو استقبلت من أمري ما إستدبرت لأخذت فضول الاغنياء لأوزعها على الفقراء". ولأنه كان يضيق الخناق حتى على الصحابة في الامصار في إستفحال ثرواتهم. ويروي أبو حيان التوحيدي "كان عمرو بن العاص يقول لعن الله زمانا عملنا فيه تحت أمرة ابن الخطاب، لقد رأيته وأباه وإنهما لفي شمله ما توارى أرساغهما، وإن العاص بن وائل (والد عمرو) لفي مقطعات من الديباج مزررة بالذهب" (ابو حيان التوحيدي- الامتاع والمؤانسة. الجزء الثاني – ص95) وفي أواخر أيامه أدرك عمر أن الخلافة بعده لا يمكنها أن تخرج عن ستة أفراد فأوكل إليهم أمر الاختيار، فبدلا من تنازعهم في الأمر يختارون واحدا منهم ليكون الخليفة قائلا "والله ما أردت أن أحمل وزرها حيا وميتا" تشاور عبد الرحمن بن عوف وكان منهم مع الباقين وتوجه لعلي فقال له "يا علي ابسط يدك لأبايعك علي كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين" (يقصد أبا بكر وعمر) لكن عليا صاحب المواقف المبدئية التي لازمته طوال حياته قال "كتاب الله وسنة رسوله نعم ، أما الشيخين فلهما رأي ولي رأي". فتولى عنه وذهب فبايع عثمانا. لكن عثمانا برغم سبقه في الإسلام وإنفاقه على غزوات الرسول، كان ضعيفا وظل ضعيفا فإستهان به العرب، بما دفعه يوما إلى الصراخ من فوق المنبر "كان ابن الخطاب يغلظ عليكم، ويؤذيكم بلسانه ويده ويطأكم بقدمه ففخمتموه وعظمتموه، ألا إن حلمي هو الذي جرأكم علي". ومات عثمان مقتولا وقبله مات ابن الخطاب مقتولا وبعده مات علي بن ابي طالب مقتولا. وأتي معاوية وعندما لاحظ بعض انصاره أن لا أحد من الصحابة وقف معه ضد علي. قال "والله لاشترين دينهم بدنياي" وبدأ في الانفاق الباذخ عليهم فلان البعض، واعتكف البعض في المدينة مبتعدين عن مركز سلطة معاوية في الشام، وكذلك فعل آل بيت رسول الله، ومع استعار حدة الخلاف بين رهط ابي طالب ورهط بني أمية لجأ معاوية إلى وضع احاديث زعم أنها للرسول وقال "والله ما أردتها لنفسي لولا أن رسول الله قال لي يا معاوية إن حكمت فأعدل " وحديث آخر "أتى جبريل إلى رسول الله وقال له يا محمد أن معاوية هو أمين هذه الأمة من بعدك".
ولما أراد معاوية توريث ابنه يزيد للخلافة أعلن حديثا مكذوبا آخر "الخلافة بعدي ثلاثون عاما وبعدها ملك عضوض" وأوهم الحسن انه سيوليه من بعده بذلك ووثق به الحسن ولكنه قتل مسموما. ومع الاستناد إلى إحاديث كان الناس يعرفون أنها كاذبة تجبر معاوية ومن أتوا بعده من الخلفاء الأمويين ومارسوا حكما متشددا وطاردوا خصومهم واستعادوا كل إرث العداء القبلي القديم. ونكلوا ببني طالب تنكيلا وحشيا يتسم بالمكايده والاذلال. فعندما تولى يزيد ورفض أهل المدينة مبايعته أرسل جيشه لغزوها وأباحها لمدة ثلاثة أيام ويقال أنهم افتضوا بكارة ألف فتاة وفرض عليهم بيعة العبيد. فالحر يشترط في بيعته "على كتاب الله وسنة رسوله" أما العبد فلا يحق له أن يشترط فيقول "ابايعك" فقط.
وامعن يزيد في الزهو والانتقام من بني طالب ومن الأوس والخزرج الذين ساندوا الرسول في غزوة بدر ضد جيش جده أبي سفيان. وصاح فرحا :
ليت أشياخي ببدر شهدوا / فزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلـوا واستهــلوا فرحـا / ولقالوا ليزيـــــد لأفشــــــل
ويصيح شاعر آخر :
إذا فاخرتمونا فإذكــــروا / ما فعلنـــا بكم يوم الجمـــــل
وعفونا فنسيتم عفونــــا / وكفرتــــم نعمـــــة الله الأجل
ويبلغ الحماس الشديد التعصب بامرأة هي أم حكيم أنها كانت تخوض المعارك وهي ترتجز
أحمل رأسا قد سئمت حمله / وقد مللت دهنه وغسله / الا فتى يحمل عني ثقله
ومع توحش الخلاف والخلفاء تدخل الفقهاء بنظريات مثل "المرجئة" الذي دعوا لارجاء البحث في الخلاف بين عثمان وعلي ومعاوية إلى الله ليحكم بينهم. وآخرون ظلوا يحضون الناس على الخضوع لظلم معاوية بنظرية "القضاء والقدر" فالقضاء هو علم الله الأزلي أما القدر فهو نفاذ هذا العلم" فكل ما يقع على الناس من ظلم مكتوب ومقدر سلفا والتمرد عليه تمرد على الإدارة الإلهية .
ويظل الخلاف محتدما. ونواصل