كياروستامي ،المخرج والشاعر الذي توفي بداية هذا الشهر وعمل في مجال السينما منذ عام 1970، وترك في سجله الابداعي 40 فيلماً عالمياً بين روائي ووثائقي وقصير. وتوج فيلمه الشاعري "طعم الكرز" بسعفة كان الذهبية عام 1997.
فشاعر السينما الإيرانية عباس كياروستامي ، الاسم الذي لايمكن الحديث عن الوثبة الكبيرة السينما الإيرانية في العقود الثلاثة الأخيرة من دون ذكر منجزه.
ينتمي كياروستامي للجيل الاول الذي حمل لواء التجديد في السينما الإيرانية بداية سبعينات القرن المنصرم والذي حملت لواءه اسماء مثل مهرجويي، ومسعود كيماوي، وتفوايي واخرين.
قال المفكر والناقد الايراني حميد دباشي عن كياروستامي: «ما يميز فنه أن جذوره كفنان غارقة في المحلية.. لكنه نجح أيضًا في الارتقاء بتلك الجوانب الإيرانية إلى العالمية».
في افلامه الاولى ، اكد حقيقة ان المحلية هي البوابة المثلى للعالمية فيما لو توفرت لصناعتها الموهبة والحس الفني.. وكانت هذه ميزة افلام كياروستامي في "أين منزل صديقي؟" (1987)، ويدور حول مخاوف طفل من العقاب بعد نسيانه كراسة واجبه، ويدور فيلم "الحياة تستمر" حول شاب يحاول تركيب هوائي التلفزيون ليشاهد إحدى مباريات كأس العالم في فوضى الزلزال المدمر.
نقف عند تجربتي كياروستامي الأخيرتين اللتين اختط من خلالهما اسلوباً جديداً في التعاطي مع اسئلة الوجود ، وإن لم يبتعد عن اسلوبه الذي عرف به، حيث اللغة الشاعرية والمعالجة المبتكرة لموضوعاته، والتجريب الذي يسم اغلب افلامه.
فبعد تجربته الفرنسية في (نسخة مصدقة) قبل عامين كانت لي فرصة مشاهدة آخر افلامه (مثل عاشق) وهو يخوض تجربته اليابانية في دورة هذا العام من المهرجان.. مغامرة أن يختار صاحب (طعم الكرز) اليابان مسرحاً لأحداث فيلمه هذا.. لكنها مغامرة محسوبة، ربما تمتد إلى إعجاب عبقري السينما اليابانية أكير كيراساوا بأفلامه التي يصفها بالاستثنائية وكونه – أي كياروستامي – بديلاً لعبقري آخر هو الهندي ساتياجيتراي. تفاصيل كثيرة وإيقاع بطيء هما ما يغلفان حكاية الأشخاص الثلاثة أبطال فيلمه الجديد (مثل عاشق)، حكاية لا تقبل المعالجة إلا على يد صانع ماهر مثل كياروستامي، الذي صار يقف في الصف الأول من مخرجي السينما في العالم.
بعد (نسخة مصدقة) الذي اختار له جغرافيا جديدة خارج بلده وأبطالاً لا يتحدثون لغته، فإنه يذهب هذه المرة إلى أقصى الشرق، إلى اليابان ليسرد لنا تفصيل حكايته التي تتلخص بفتاة تبيع جسدها لتغطية مصروفات دراستها وعشيق منفلت لا يتوانى عن ممارسة العنف لأي سبب، وبروفيسور يقيس الوحدة ويبحث عما يمكن أن يمنح حياته معنى.
وإذا كان بعض النقاد قد أخذ على الفيلم إيقاعه الرتيب، وحدثه المهمل، وشخصياته غير الفاعلة... فإن كياروستامي تعمد معالجة هكذا موضوعة بهكذا مكان.. وكان لا بد لمتلقي هذا الفيلم أن يقف عند إهدائه الفيلم إلى احد كبار صانعي مجد السينما اليابانية ياساجيرو اوزو، صاحب أفلام (أيام الصبا) و(فندق من طوكيو) الذي تركزت جل أفلامه على موضوعة العائلة، وهي الموضوعات التي حاول بها اوزو صرف انغماس اليابانيين بآثار الحرب والهزيمة التي لحقت ببلدهم.
يرصد كياروستامي تفصيل الحياة في اليابان، وانهيار القيم في المجتمع المعاق.فيلم عن الوحدة والضجر، هو أيضا عن أسئلة الوجود التي لا تنتهي. يحاول فيه كياروستامي إبراز قدرته على استكناه الهم الإنساني من خلال أحداث ربما تبدو مهملة للبعض.
يثبت كياروستامي مرة أخرى انه جاء إلى السينما ليترك أثراً ويقدم درساً في السينما.. وبالتالي لا يهم إن كان حدث الفيلم هنا أو هناك، فليس ذلك ما يشغل مخرجاً مثله. فهو في هذا الفيلم يقتفي اثر سلفه الياباني (اوزو)، فيما خص انشغاله بالتفاصيل، بل والمهمل منها طالما أنها في النهاية تجلٍّ حقيقي للهم الإنساني.
سينما كياروستامي
[post-views]
نشر في: 27 يوليو, 2016: 03:12 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...