هذي رسالة موجعة من استاذ عراقي متقاعد ، غادر العراق مضطراً ، بعد قلق مدمر يصل حد الرعب ، وصعوبات معيشة تقارب تخطي عتبة المستحيل . وعوز فاضح يقارف فعل الإستجداء .
يحط الرحال بلندن ، ليعيش الضنك والعوز وضيق ذات اليد ، بعدما اوشك القليل الذي معه على النفاد . ينصحه صديق قديم بالتقديم لطلب راتب الرعاية الإجتماعية … يمتثل مذعناً . يقول في رسالته الناضحة بالألم والكبرياء :
بقلب واجف ، واًصابع ترتعش - وبمعونة من صديق قديم - كتبت طلبا لشمولي براتب الرعاية الإجتماعية، بعد إنتظار قصير ( حسبته دهراً ) تسلمت رسالة تدعوني للحضور لمكتب الرعاية في ( ،،،،،،) مع خارطة تفصيلية تشير للمكان .
…………….
تسلقت سلالم البناية كمن يصعد منصة مشنقة ! دلفت للبناية على إستحياء كمن يستجدي ، كنت مبهوراً : الجدران تلتمع كما لو كانت مصبوغة على التو ، خشب الموكيت يلتمع ، المناضد مكتظة بالأضابير ، الموظفون ، حتى العبوس القمطرير الملامح يبادرك :هل استطيع المساعدة ؟ تسأله عن قسم الضمان التقاعدي ، يشير للمصعد ، هذا هو الطابق الثاني. المقاعد مرصوفة بعناية ، اشارة ضوئية في الجدار : إستل رقمك من العلبة الدوّارة ، وإنتظر دورك ، الموظفون خلف النوافذ الزجاجية يؤدون اعمالهم بدقة محسوبة ، ممنوع عليهم الثرثرة ، او استعمال الهاتف النقال للمكالمات الخصوصية . تنتظر ريثما يبزغ رقم بطاقتك ، ما ان تفتح فمك بانك مؤهل للضمان - وإنك تجاوزت الخامسة والستين حتى يسلمك الموظف اوراقاً لتبيان المزيد من المعلومات ، عليك ملء مربعاتها ومستطيلاتها ، تمتثل ، ثم تقدمها للموظف الذي يلقي عليها نظرة خبير ، ويباغتك بتصويرها بآلة آستنساخ قريبة، يسلمك الصورة ، ولا ينسى ان يودعك : حظاً سعيداً .. إنتظر جواباً بالبريد .
تنتظر بصبر ان يصلك الخطاب الموعود : رفضاً او قبولاً : مع توضيح الأسباب الموجبة للرفض….. مع الإحتفاظ بحقك بالإستئناف! اما في حالة قبول الطلب فيخيروك بين صرف ما تستحق ، إيداعاً بإسمك في البنك الذي تختار ، او نقدا من أقرب دائرة بريد …………
ياآآآآآآآآآآه .
ماذا عن دوائر التقاعد والضمان الإجتماعي في بلدي ؟
بين الرصيف والجادة!
[post-views]
نشر في: 27 يوليو, 2016: 09:01 م