TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إذا اختلفَ الحراميّة

إذا اختلفَ الحراميّة

نشر في: 29 يوليو, 2016: 05:51 م

مثل لاعبي كرة هواة، تبادلت الحكومة ومجلس النواب الاتهامات العشوائية بشأن المسؤولية عن صياغة مشروع قانون المجلس وعرضه على المجلس تمهيداً لتشريعه.
بما يُشبه عمل المنظمات غير القانونية، وكما يحصل عادة مع كل مشاريع القوانين، وزّعت رئاسة مجلس النواب مشروع القانون على الأعضاء، ثم أدرجته في جدول إحدى الجلسات لقراءة أولى تسبق الثانية التي تمهّد لتشريع القانون. كل هذا من دون إطلاع الرأي العام على مشروع القانون، حتى إذا قُرِئ مشروع القانون القراءة الأولى وافتُضِح أمره لوسائل الإعلام ثارت ثائرة الناس ضد مشروع القانون وضد المجلس برمّته.
ثار الناس لأنهم أدركوا للمرة الألف، ربما، أنّ "نوابهم" يستغفلونهم ويعملون من وراء ظهورهم لمفاقمة امتيازاتهم ، فيما البلاد بسبب انخفاض أسعار النفط وتصاعد مستويات الفساد الإداري والمالي، تكابد الانهيار المالي الذي يُلجئها الى الاقتراض من الدول والمؤسسات المالية العالمية، وإلى وقف العمل بالكثير من المشاريع الاقتصادية والخدمية الملحّة الحاجة إليها لنقص تمويلها.
سعى مجلس النواب، بعد ثورة الناس عليه، إلى التبرّؤ من هذه الفعلة. رئيس اللجنة المالية في المجلس اتهم الحكومة بوضع مشروع القانون، وقال في بيان إن اللجنة المالية عرضت القانون على المجلس، كما جاءها من مجلس الوزراء، ليأخذ مجراه التشريعي، فإما أن يردّ  القانون أو يمضي بتشريعه ، مؤكداً أن "ما ورد في القانون من امتيازات جاء من الحكومة ونحن في اللجنة المالية لا نقبل بهذه الامتيازات"!
بالطبع ليس في وسع مَنْ في رأسه عقل سليم القبول بكلام من هذا النوع، فاللجنة البرلمانية المتخصّصة ليست مجرد ساعي بريد بين الحكومة التي تقترح القوانين والبرلمان الذي يشرّع القوانين. من واجبها مراجعة مشاريع القوانين والتدقيق فيها وتقديم التوصية بشأنها إلى رئاسة المجلس. إذا كانت اللجان البرلمانية لا تعمل بهذا النسق فما لزوم وجودها؟
الحكومة من جانبها تبرّأت أيضاً من مشروع القانون، فالمتحدث باسم رئيس الحكومة قال في بيان إن" مشروع القانون المذكور لم يُرسل من مجلس الوزراء مطلقاً وان مجلس الوزراء يعترض على أية امتيازات إضافية ويعتبرها مخالفة للإصلاحات التي أُقرّت وألغت امتيازات سابقة". بل إنه زاد بالقول إن "الدستور أوضح صلاحيات السلطات جميعاً ولم ينصّ على تشريع قانون لعمل مجلس النواب وإنما نصّ على أن يضع مجلس النواب وكذلك مجلس الوزراء نظاماً داخلياً ينظّم عمله".
تصريحات من هذا النوع إنما تزيد النقمة على الطبقة السياسية الحاكمة ،لأنها لا تقول الحقيقة، فالثابت أن المحكمة الاتحادية كانت قد خضعت لإرادة الحكومة السابقة فسلبت مجلس النواب حقه في تشريع القوانين، مع أنه هو السلطة التشريعية، وقضت بأن السلطة التنفيذية هي التي تقترح القوانين على المجلس الذي لا يجوز له تعديل مشاريع القوانين المقترحة بما يضيف التزامات مالية لا تقبل بها الحكومة (!) وبذا جعلت المحكمة الاتحادية من مجلس النواب مجرد "بصّام" على ما تقرّره الحكومة، وبالأخصّ رئيس الحكومة.
القضية وما فيها أنه إذا اختلف الحرامية ظهرت سرقاتهم! وما يجري بين المجلس والحكومة الآن هو من هذا الجنس من الألعاب. ولوقف هذه اللعبة العبثية يتعيّن سحب هذا القانون من التداول في الحال ورميه في أقرب سلّة مهملات، وعدم التفكير إلا بقانون يجرّد أعضاء مجلس النواب وسائر أفراد الطبقة الحاكمة من أية امتيازات لا يستحقونها. والواقع إنهم لا يستحقون أية امتيازات، فالغالبية العظمى منهم لا يَعدَون كونهم حراميّة من الطراز الأول!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. بغداد

    أستاذ عدنان حسين لقد وضعت النقاط على الحروف عندما قلت عن مجلس الدواب حرامية زوو الخضراء في نهاية مقالك ( الغالبية العظمى كونهم لا يعدّون كونهم حرامية من الطراز الأول ). المطلوب منكم ايها النجباء يا كتاب المدى الأعزاء ان تبدأوا بحملة قوية جدا جدا جدا يعني

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram