وسألتك ما إذا كان بمقدورك تذكّر فائزة، البنت التركمانية، البيضاء الطويلة، من كركوك. لكنَّ ذاكرتك لم تعنك، فرحت بفمك الذي انحرف الى اليسار قليلاً، تتلو عليَّ أسماء بنيات غيرها، فقلتَ: إخلاص ! وقلتُ لك: لا. وقلتَ: ندى، وسميتَ: سعاد، هند، باسمة، هيفاء، إقبال.. وفي كل مرة كنت أُجيبك: لا، لا .. حتى أتيت على أسماء بنات شارع بشار كلهن، لكنك لم تتذكرها، لم تتجمع صورتها الباهرة بين عينيك، مع أنك كنت تحبّها، لا كامرأة من بنات الليل، إنما كحبيبة. أستعيدُ معكَ اللحظة هذه، ساعة اخذتني الى سوق البنات، إلى الفرع الخارج من سوق الهنود باتجاه سوق الحُوريّة، ومن هناك اشتريت لها سيت الكولوسنات الملونة، ثوبين للنوم، سوتيانات بعد ألوان الطيف، وعدداً لا أتذكره من الاحذية. وهناك، قرأتُ عنك وأنت تمدُّ يدك لسيت الكولوسنات بألوانها السبعة : سنده، منده، ثيرزده، تيوزده... هكذا، كناية عن عدد أيام الاسبوع، مع إنك لم تكُ لتلتقيها كلَّ ليلة، كنتَ تمسك بالواحد والاثنين منها، تشمُّ وتقول: كم أعشق عصافير الحب هذه.
كنتَ توثق الزورق، زورقنا الصغير إلى أحد قضبان الجسر الحديد، وتظل بانتظاري هناك، حتى يهبط الظلام، وكنتُ أتأخر أحياناً، فلا أجد صاحبتك، هؤلاء الكويتيون ينافسوننا عليهن، سألتُ أمّها، "باجيتها" عنها، فقالت خرجتْ، أستحييتُ أنْ تلقاني من دونها، من دون واحدة منهن، في القليل فكانت باجيتها تريني الواحدة والثانية والثالثة والأخرى، تسمّي وتكنِّي بأجمل الاسماء والكنى، لكنني لم استحسن منهن واحدة، كانت مصابيح البيوت ظالمة، حتى جاءتني بإخلاص، الفاتنة الصغيرة، بربيعها الثالث عشر، ثم أنني انشغلت، اتسوق الفاكهة واللحم والبيرة الفريدة والشهريار، لم يمهلني سائق السيارة الوقت كيما أجيئك بسجائرك. ها هي تهبط بقدميها الصغيرتين زورقنا، تنورتها قصيرة، وقميصها ورديٌّ يشفُّ. هاكها خذها، هي لك ما التمعت بوجهينا النجوم،ما طلع الفجر علينا وتبسم بأعيننا قمر وردي ملموم. وحين كنت أجدِّفُ، مبحراً، مذعنا للمد، وهو يزبد باتجاه كوخ أبي في بستاننا، كنتَ ذهبتَ تطلب الولد منها فهنيئا لكَ بها.
أقول لك لماذا يتعجلنا الفجر دائماً، فلا نكاد نمسك بنجمة ليله الأولى حتى تنسحب الأخرى، خلف السعف والدخان، لماذا تتعجلنا الاقمار وتركض خلفنا الشموس؟ لماذا لا يتطاول النخل وتكتظ الاشجار وتلتحف الانهار فلا نهار يطلع ولا عائد يدخل ولا متطفل يدنو.. تقول لي: أشبعتْ؟ فأقول لا والله، كنا للتو قد قرأنا العم والت ويتمان، بترجمة العظيم الاخضر ابن يوسف، حيث كان يقول لإحداهن: "تعالي، وتمددي معي، أنا والت ويتمان، حرٌّ ومتشهٍ كالطبيعة، لن أبرحك حتى تبرحني الشمس.." كان الأطباء لما يكتشفوا بعد الكودنوم، العازل المطاطي الحقير، مبدد اللذات ومفرق ما بين الختانَيْن .. يوم كانت الرغبات كاملة، مثلما الرطب في آوانه، مثل الماء وهو يتمطرحُ على أوراق الموز، وهو يتقلب في الاجساد قوياً صارماً. أأحببتها، أكانت أنسك ومرتجى انتظارك وجسدك، أمنحتها حقها ضمّاً وعناقا وقبلاًت؟ آمل أنْ كنت كذلك، آمل أن كانت ليلتها مما ستتذكره وتحفظه عنك، هل أنستك فائزة؟ حين قاربت شموسنا مطالعها، وأخذنا الطريق الى الماء ثانية، كنتَ أنت من يجذّف المرة هذه، أما أنا فقد نزلت منزلتك الأولى، وهبطت سلالم فرحك حيث ابتدأتَ الليل، وحيث تركنا الحبل ينسرح خلفنا على الماء، ذائبا بمسراته الالف، حيث غادرْنا الجسر. كنتُ أعبرُ معها الضفة التي لا تصل، الضفة البعيدة، التي لا تلتئم، طلبت منها الولد ذاته لكنه استعصى، لم يبق في الجرّة ماءٌ عندي، وقد ظمئت طفلتي، وظمئت أنا، لقد أنفقت مائي كله هناك.
نزلتُ منزلتك الأولى هبطتُ سلالمَ فرحك
[post-views]
نشر في: 30 يوليو, 2016: 06:01 م