ما يحدث في العراق اليوم، من حنق وغضب ونقمة على السلطة، يشبه ما ظل يعتمل من ذلك في نفوس العراقيين على نظام صدام حسين، ولا إختلاف في الأمل والاحتمالات، إذ أنهم كانوا غير قادرين على الانقضاض على النظام بمفردهم آنذاك، مثلما هم غير قادرين على إسقاط الحكومة اليوم. الفارق البسيط في ذلك، هو احتمال تدخل ومساعدة التحالف الدولي في اسقاط النظام آنذلك، وعدم إحتمال وقوع مثل ذلك اليوم، إذ يستحيل قيام أميركا بالانقلاب على (ديمقراطيتها) التي أقامتها في بغداد، هذه التي جلبت الويلات لشعبنا، حتى بتنا نجد وجود كل مبررات إسقاط السلطة، لكننا لا نجد الإمكانية في ذلك، أمر مفارق وعجيب ما يحدث، فالشعب والجيش العراقيان عاجزان تماماً عن اسقاط أسوأ مؤسسة حكومية سياسية وبرلمانية في العالم مع توافر الحنق والغضب والنقمة العامة.
يقوم الخوف مقام الساند لبقاء السلطة اليوم، مثلما كان قائماً في زمن النظام السابق، فعلى سبيل المثال: يتحدث الناقمون على جرائم داعش في البصرة وعموم مدن الوسط والجنوب بما يحلو لهم، ويصفون أعمالهم بما في اللغة من البذاءة والتشنيع، لكنهم يصمتون أو لا يتكلمون بذات الدرجة عن ما تقوم به الاحزاب الدينية والعصابات المسلحة وشيوخ العشائر من أفعال القتل والخطف والتفجير، بل ويصمتون عن الشنيع من أفعالهم. وحتى وقت قريب كنا، في الصحافة نقرأ وقائع وحوادث أمنية كانت تقع في البصرة مثلا فنقول قام ( مسلحون مجهولون) باغتيال فلان أو بتفجير عبوة أو بنسف مرقد، مع يقيننا بأننا نعرف الجهة باسمها وشخصوها وقوة وجودها في العملية السياسية .
بالامس، فجّر (مسلحون مجهولون) الكازينو العائم (عروس البصرة) وبيقين الجميع، فإن التفجير لم يكن من أعمال داعش، لأنه كان تفجيراً حميداً، فقد وقع في ساعات الصباح الأولى، ولم يؤدِ الى قتل أكثر من واحد، ولو كانت داعش وراءه لقامت به في المساء، ولفعلت ذلك في مناسبة زواج ما، حيث سيكون عدد القتلى بالمئات، لكن الحادث مرَّ بسلام، والحمد لله. تُرى، لماذا لم نسمع او نقرأ في الصحف ومواقع التواصل عن إدانة لذلك، لماذا لم تتحدث الحكومة المحلية عن التفجير بما يتوجب عليها ؟ الناس تخاف والحكومة تخاف أيضاً. البصرة مدينة من خوف، الجهات المسلحة فيها تُرعب أبناءها، وفي المدينة من الأسلحة ما يقتل ملايينها الثلاثة ،عشرات المرات، ولو شاءت جهة مسلحة واحدة إسقاط الحكومة لتمكنت من ذلك بساعتين لا أكثر !
تقول مجلة أميركية: لو قام الجيش العراقي بانقلاب على الحكومة لما وجدت الحكومة مَن يقف معها، ونقول لو قامت جهة مسلحة باسقاط الحكومة لجابهتها جهات مسلحات أُخر، ولكنا نحن الشعب سنكون حطامَ نارٍ غير منتهية أبداً. نعم، الشعب كله، بعربه وكرده وشيعته وسُنّته وأقلياته حانق وغاضب وناقم، لكنه خائف، وخوفه مشروع، فما أُريق من دماء أبنائه يمنعه من إراقة المزيد، وما عادت أميركا والتحالف الدولي إلى جانبه، بعد أن تيقين له أن أميركا التي تقوم بضرب داعش هي التي صنعته، وهي التي أتت بديمقراطية الدم والخوف للعراق، وكانت قد جاءت بنظام صدام حسين ذات يــوم.
يبرر نائب عن البصرة من كتلة الجعفري تفجير كازينو عروس البصرة بما معناه، إن التفجير إنما تم بسبب اشتغال النساء فيها، وهن يقمن ببيع المخدرات. شهم وشجاع حدَّ الزردوم هذا النائب، فهو يخاف على أبناء مدينته من النساء والمخدرات، فامتدح التفجير وصمت عن اتهام الجهة التي قامت بالتفجير؟ شعب خائف وحكومة خائفة وبرلمان شريك في الجبن والخوف !!!
العودة إلى جمهورية الخوف
[post-views]
نشر في: 2 أغسطس, 2016: 09:01 م