اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الادّعاء العام يصحو أخيراً..!

الادّعاء العام يصحو أخيراً..!

نشر في: 3 أغسطس, 2016: 06:22 م

وأخيراً.... تبيّن لنا أنّ لدينا جهازاً للادّعاء العام، وأنه يمكن أن يكون على صورة أجهزة الادّعاء العام أو النيابة العامة في سائر بلدان العالم، فلأمد طويل غاب عن واجهة الأحداث في العراق كلُّ ملمحٍ واضحٍ لدور جهاز الادّعاء العام، مع أنّ البلد شهد أثناء الثلاث عشرة سنة الماضية أحداثاً مهولة لا تُقارن بها الأحداث في أي بلد آخر، وهي في مجملها انطوت على انتهاكات وتعدّيات سافرة على حياة الناس ومصالح الدولة والمجتمع، وهي مما يدخل في صلب اختصاص جهاز الادّعاء العام بوصفه المكلّف بـ"حماية نظام الدولة وأمنها ومؤسساتها والحرص على الديمقراطية والمصالح العليا للشعب والحفاظ على أموال الدولة"، وكذلك "دعم النظام الاتّحادي، وحماية أسسه ومفاهيمه في إطار احترام المشروعيّة، واحترام تطبيق القانون"، وأيضاً "الإسهام مع القضاء والجهات المتخصصة في الكشف السريع عن الأفعال الجرميّة والعمل على سرعة حسم القضايا وتحاشي تأجيل المحاكمات من دون مبرر لاسيما الجرائم التي تمسّ أمن الدولة ونظامها الديمقراطي الاتحادي"، بحسب ما نص عليه قانونه.
الخبر السعيد الذي أنبأنا بوجود جهاز للادّعاء العام صاحٍ وليس في غيبوبة أبديّة، كما كنّا نظنّ، جاء على لسان المتحدّث الرسمي باسم السلطة القضائيّة القاضي عبد الستار بيرقدار الذي بشّرنا في بيان له بـ "قيام رئيس الادّعاء العام بتحريك شكوى بحقّ كلّ مَن ورد اسمه على لسان وزير الدفاع خلال جلسة استجوابه."
الفكرة السلبيّة المتشكِّلة في أذهاننا عن جهاز الادّعاء العام حاصلة من عدم فعاليّة هذا الجهاز، فنحن نرى ونسمع عبر كلّ وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أنه ما أن تحدث قضية في أي بلد لها علاقة بالتجاوز على مصالح الدولة والمجتمع وحقوق الناس وحريّاتهم العامة في ذلك البلد، حتى يسارع جهاز النيابة العامة إلى الإعلان عن تولّيه التحقيق في القضية، بل إنَّ رؤساء أجهزة النيابة العامة يبادرون في الحال إلى عقد مؤتمرات صحفية يومية لإطلاع الرأي العام على تطورات القضية. وقد شهدنا هذا خلال الأشهر الأخيرة على نحو مكثّف في فرنسا وبلجيكا وألمانيا والولايات المتحدة، وقبلها في مصر، وسواها من البلدان التي شهدت عمليات إرهابيّة وأُخرى جرميّة عاديّة ذات طابع عام.
قبل تصريح القاضي البيرقدار أُصبنا مرة أخرى بخيبة الأمل حيال جهاز الادّعاء العام عندما أعلن القيادي في ائتلاف دولة القانون وعضو مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي أنَّ جهاز الادّعاء العام سيكون طرفاً ثانوياً، حاله حال جهات أُخرى كنقابة الصحفيين، في اللجنة التي سيشكّلها مجلس النواب للتحقيق في الاتهامات بالفساد التي وجهها وزير الدفاع إلى رئيس المجلس وأعضاء آخرين في المجلس واشخاص من خارج المجلس. المطلبي قال في تصريحه إن جهاز الادّعاء العام سيكون له ممثل في لجنة التحقيق البرلمانية إلى جانب ممثلين عن السلطة القضائيّة ونقابة الصحفيين وسواهما، وإن الجهاز " سيراقب نتائج التحقيق عن قرب لإصدار قرار أو حكم مناسب بشأن اتهامات العبيدي".
 كان تصريح المطلبي مبعثاً للدهشة، فالمفترض أن يقود جهاز الادعاء العام بنفسه عملية التحقيق في هذه القضية التي ينظر إليها كلّ العراقيين تقريباً بوصفها قضية القضايا، فإلى الفساد الإداري والمالي الذي مارسه كبار المسؤولين في الدولة، المدنيين والعسكريين، لما يزيد على عشر سنوات، يرجع الخراب الذي نعيشه والمحن التي نكابدها، وفي مقدمها محنة الاحتلال الداعشي.
 ثمّة العشرات من القضايا الكبرى التي أهملها الادّعاء العام ولم يضع يده فيها مع أنها من صلب اختصاصه ومسؤوليته، كقضية احتلال الموصل وسائر المناطق ومجزرة سبايكر. أما قضايا الفساد الإداري والمالي والتعدّي على المال العام فهي بالآلاف، لكننا لم نسمع يوماً أنَّ جهاز الادّعاء العام قد اقتفى أثر هذا القضايا للكشف عن الفاسدين وملاحقتهم وإعادة الأموال المنهوبة. في العام الماضي مثلاً اعترف أحد أعضاء مجلس النواب، هو مشعان الجبوري، علناً بأنه ونوّاباً آخرين متورطون في عمليات فساد. حتى اليوم لم نلحظ أنّ الادّعاء العام قد بادر لمساءلة هذا النائب، مثلما لم يبادر الجهاز إلى مساءلته عن جريمة كبرى اقترفها في حقّ الشعب العراقي، هي التحريض على الإرهاب عبر محطاته التلفزيونية التي كان يديرها في سوريا. فقد عاد الجبوري بموجب صفقة سياسية أسقطت عنه بموجبها الأحكام القضائية عن التهم الموجّهة إليه بنهب المال العام، لكنّ قضية التحريض على الإرهاب لم يسقطها أحد،لأنه لم يجر التحقيق فيها بالأساس، وكان الأولى بجهاز الادّعاء العام أن يحقق فيها بوصفها جريمة مرتكبة في حقّ الدولة والمجتمع. جهاز الادّعاء العام "طنّشَ" عن هذه القضية، كما "طنّشَ" عن قضايا كثيرة أخرى من دون مبرّر أو مسوّغ. وبالنسبة لنا فإنه لم يزل وسيظلّ مطالباً بالتحقيق فيها وفي سواها من القضايا، وإلّا فليعطينا عرض أكتافه، لأنّه لا يلزمنا ادّعاء عام في حال الغيبوبة!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. بغداد

    الاستاذ عدنان حسين شكرا لك على هذا المقال الذي وضحت لنا فيه بكل دقة مهمة ووظيفة وأهمية الأدعاء العام ومسؤوليته المناطة له في اي دولة في العالم تمتلك حقاً نظام سيادي يحمي الدولة ومؤسساتها ومواطنيها وممتلكاتهم وحقوقهم معاً . مع الأسف سفهاء هذه الحكومة الفا

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram