اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أمانةُ بغداد تَهدِمُ تاريخَنا!

أمانةُ بغداد تَهدِمُ تاريخَنا!

نشر في: 8 أغسطس, 2016: 05:51 ص

من دون وجع قلب، بل بتباهٍ، أعلنت أمانة بغداد عن أنّها منحت منزل واحد من أهمّ الشخصيات في الدولة العراقية الحديثة إلى "مستثمر" قام في الحال بهدمه، ليتحوّل المكان لاحقاً ربما إلى كراجٍ للسيارات أو ملهىً ليليٍّ من الدرجة العاشرة( ماخور في الواقع) كملاهي شارع أبو نواس وسواه، أو في أحسن الأحوال دكان أو بناية لمكاتب تجارية أو سوى ذلك.
المنزل الكائن في شارع الرشيد الذي كان قلب بغداد التجاري على مدى ثمانية عقود، هو منزل ساسون حسقيل، أول وزير للمالية في الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الرحمن النقيب التي شكّلتها سلطات الاحتلال البريطاني ( 1921) وفي الحكومات الأُولى للملك فيصل الأول ( 1921- 1925) قبل أن يُصبح عضواً في المجلس النيابي حتى العام 1932.
وساسون حسقيل، لمن لا يعرفه، يُعدُّ من البناة الحقيقيين للدولة العراقية الحديثة، فهو من عائلة يهوديّة عريقة ومرموقة، وكان من أوائل الذين درسوا في أوروبا، وعُرف بوطنيّته ومهنيّته ونزاهته، حتى أنه لم يتساهل حتى مع الملك فيصل الأول ولا مع رؤساء حكوماته ووزرائها في تصرفاتهم المالية، وإليه يرجع الفضل في إصدار العملة الوطنية، الدينار، وكذلك ضمان دفع عائدات مستقرة لصادرات النفط بما يعادل قيمة الجنيهات الإسترلينيّة بالذهب.
أمانة بغداد برّرت فعلتها بأُطروحة بائسة ومتهافتة، هي أنّ المنزل البالغ من العمر مئة سنة، وهو عمر شارع الرشيد نفسه، لم يعد تراثيّاً! وفي المقابل فإن قسم التحريات التراثيّة في دائرة الآثار والتراث التابعة لوزارة الثقافة عدَّ إجراء أمانة بغداد «تجاوزاً على القانون»،.
حتى في الدول الصغير والمتخلّفة تهتمّ السلطات حتى بالحجر الصغير الذي يحمل تاريخاً، وفي البلدان المتقدمة تعدّ الحكومات وبلديات المدن من واجباتها الأساسيّة الحفاظ على الأوابد التاريخية. وما من مدينة أُوروبيّة لا تجد في شوارعها لوحاتٍ صغيرةٍ على منازل، تشير إلى سكنى كاتب أو فنان أو فيلسوف أو عالم أو شخصية سياسيّة أو اجتماعيّة فيه في وقت من الأوقات. وتحرص بلديات هذه المدن على العناية بالمنازل التي سكنتها -ولو لفترات قصيرة- الشخصيات التاريخية المرموقة.
محنة منزل ساسون حسقيل جزء صغير من محنة كبرى مع طبقة سياسية حاكمة تحتقر التراث والثقافة، ولا تُعير اهتماماً إلّا للموروثات التي تزيد تخلّف المجتمع تخلّفاً، كالنواح واللطم وشجّ الرؤوس... طبقة لا يستفزّها التلوّث البصري المتمثّل بتلطيخ الجدران بالصور الحائلة لأشخاص لم يقدّموا شيئاً ذا قيمة للمجتمع، بل إنّ معظمهم ممن كانوا جُزءاً من المحنة الراهنة التي يكابدها الشعب العراقي، ولا يثير حفيظتها تكدّسُ الأزبال في الشوارع والساحات، فكلّ ما يهمّها ويعنيها الاستحواذ على السلطة لنهب المزيد من المال العام والخاص.
أمانة بغداد تعجز عن صدّ تجاوزات السياسيين وأتباعهم والميليشيات وعناصرها على أملاكها، فتردّ بالتجاوز على تراث الشعب وتاريخه. أليس مسؤولو الأمانة جزءاً من الطبقة المتنفّذة في السلطة، الفاسدة والمُفسِدة؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 5

  1. سمير طبلة

    ويبقى اسم ساسون حسقيل مفخرة ومثالاً لكل عراقي، يحمل ذرّة غيرة على بلده وشعبه. ويا لعار أمانة (اللاأمانة) العاصمة!

  2. خليلو...

    إن أقسى ما يزعج المرء ويغضبه هو رؤيته لشخص نقيضه يواجهه في صباحه ومسائه لا ريب في أن ما يرمز الى شخص ساسون أفندي حسقيل الوطني العراقي الباني لصرح العراق المالي والإنسان النزيه يقض مضاجعهم كلما جرى الحديث على النزاهة والوطنية في وقت هم فيه فسدة من حثالة ا

  3. بغداد

    استاذ عدنان حسين ايها الوطني الغيور لا تتعجب من هذه العصابة المتسلطة على رقاب الشعب العراقي عندما قامت بهدم الدار التراثي العائد لأول وزير مالية للعراق حسقيل ساسون لأنهم هدموا العراق كله واعتدوا على جميع الحرمات المحرمة وحرقوا جميع الخطوط الحمراء ونهب

  4. ييلماز جاويد

    عندما زرت إسبانيا لأوّل مرة ورأيت كيف حافظ الإسبان على التراث العربي الإسلامي ، لعن جميع حكام منطقتنا الذين هدموا كل ذلك التراث الحضاري الذي كان يوماً في قمة ما وصلت إليه الأمم .

  5. د.سامي العامري

    يجب ان نحدد المسؤول عن هذا العمل والشعب او اي واحد مثل كاتبنا الخ عدنان ان يقدمها بمذكره الى المحاكم المختصه وشعبه النزاهه الي ذلك من المختصين حتي يعرف هؤلاء السؤولين ان الشعب عارف بهذه الاعمال والا السكوت هو علامه الرضي كما يقال!!

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram