هذه الخطوة الحكوميّة كانت لازمة منذ سنة في الأقل، وكان يتعيّن اتخاذها في سياق الحزم الإصلاحية التي تعهدتها الحكومة، لكنّها مع ذلك لن تكون خطوة فعّالة كما ينبغي لتحقيق النتائج المأمولة، ولابدّ من تعزيزها بخطواتٍ أُخرى تضمن إنجاز الهدف المبتغى.
ما أعنيه هو الاتفاق الموقّع في بغداد يوم الخميس مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتعزيز قدرة الحكومة العراقية على تقصّي قضايا الفساد الكبيرة والمعقدة والتحقيق فيها وملاحقتها قضائيّاً.
بموجب الاتفاق سوف يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على توظيف محقّقين دوليين للمساعدة في تدريب محقّقين عراقيين وتقديم المشورة لهم، بحسب ما صرّحت به الممثّلة المقيمة للبرنامج. وبحسب مكتب رئيس الوزراء، وهو الطرف الحكوميّ في الاتفاق، فإن الاتفاق " جزء من منظومة الإصلاح وليس تخلّياً عن مسؤوليات الحكومة، بل لتعزيز هذه المنظومة من خلال الاستعانة بالخبرات الدوليّة" كما أعلن المتحدث باسم المكتب الذي أوضح أنه بموجب الاتفاق سيجري العمل على " التحقيق في قضايا فساد ذات أولويّة"( نفهم أنها كبرى، وما أكثر قضايا الفساد الكبرى التي يقف وراءها كبارُ مسؤولي الدولة، وبخاصة في عهد الحكومتين السابقتين).
مفهوم أنّ الاستعانة بمحققين دوليين ستضمن حيادية التحقيقات ومهنيّتها والتخلص من الضغوط التي يتعرض لها في العادة المحققون العراقيون، لكن قصر الأمر على الاستعانة بمحققين من الأُمم المتحدة وتحديد مهمتهم بتدريب المحققين العراقيين، لن تكون خطوة كافية. الأمم المتحدة ذاتها ووكالاتها وبرامجها ليست في منأى من الفساد. هذا أمر معروف على نطاق العالم، وهي بالتالي يمكن أن تكون عرضة للضغوط التي يخشاها مكتب رئيس الوزراء.
أقلّ التقديرات تشير الى أن ما نهبه الفاسدون من موازنات الدولة خلال السنين العشر الماضية لا يقلّ عن 220 مليار دولار، فيما تقديرات أخرى ترفع الرقم إلى ما يزيد على 400 مليار دولار. كبار حراميّة هذه المبالغ الفلكيّة هم رؤوس النظام السياسي ومساعدوهم وأعوانهم وأفراد عائلاتهم. ولأنَّ هؤلاء جميعاً ما زالوا يحتفظون بمصادر القوة من خلال إمساكهم بمصادر السلطة والنفوذ، فإنّ مهمة خبراء الأُمم المتحدة والمحققين العراقيين لن تكون ميسورة. الفاسدون الأقوياء يعرفون كيف يمدّون أيديهم طويلاً للضغط على الخبراء والمحققين وتهديدهم، وفي أحسن الأحوال إغرائهم.
هذه الخطوة تحتاج الى تعزيزها بخطوة أخرى، هي الاستعانة بالشركات العالمية الرصينة المتخصصة في قضايا الحسابات والكشف عن عمليات غسل الأموال. هذه الشركات يمكن توظيفها، وهي في أماكن وجودها، لمراجعة حسابات الحكومات المختلفة منذ 2004 حتى الآن، كشركة أرنست آند يانغ التي استعان بها العراق لمراجعة حسابات صندوق تنمية العراق وسبل تسوية الديون العراقية. شركات من هذا النوع أكثر مصداقية من غيرها، ويمكن في إطار التعاقد معها تدريب المحققين والمحاسبين العراقيين يمكن أن نعوّل عليهم في المستقبل، ولا ينبغي استكثار دفع بضع عشرات ملايين الدولارات لهذه الشركات لاسترداد مئات المليارات المنهوبة.
خطوةٌ حكوميّةٌ جيّدةٌ.. لكنْ ناقصة
[post-views]
نشر في: 12 أغسطس, 2016: 06:16 ص
جميع التعليقات 2
فؤاد البغدادي
إن الإستعانة بهكذا محققين من الأمم المتحدة غير كافي، يجب أن تكون عملية صنع القرار في مكافحة الفساد بأيدي شركة محاماة عالمية وليس بشركة محاسبة, كما ذكرت في مقالة سابقة لي بعنوان نحو هيئة نزاهة مستقلة ، الأمم المتحدة نفسها مليئة بالفساد وغير مؤهلة لإدار
ابو شهد
استغرب واتعجب ياسيد عدنان ان صحفيا بخبرتك وتجربتك وكمثقف عراقي انك تكتب عن هذا الموضوع معتقدا ومفترضا صدقية مايسمى ظلما وعدوانا حكومة او مؤسسات او دولة! كيف لاتميز واحدة من حنقبازيات من يسمى سياسيون؟ دعني اسألك: لنفترض جدلا ان هناك تحقيقات حقيقية سيقوم