اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > فقـراء فـي بلد المليارات والنفط

فقـراء فـي بلد المليارات والنفط

نشر في: 14 أغسطس, 2016: 12:01 ص

تسكن "حوراء" مع إخوتها الثلاثة في بيتهم الطيني في إحدى العشوائيات السكنية في معسكر الرشيد سابقاً. حوراء تعتاش هي وإخوتها على ما يجنيه والدهم من بيعه قناني الماء البارد صيفاً والشاي شتاءً في تقاطع معسكر الرشيد، والدتهم على مقربة تعد وجبة الغداء اليومي

تسكن "حوراء" مع إخوتها الثلاثة في بيتهم الطيني في إحدى العشوائيات السكنية في معسكر الرشيد سابقاً. حوراء تعتاش هي وإخوتها على ما يجنيه والدهم من بيعه قناني الماء البارد صيفاً والشاي شتاءً في تقاطع معسكر الرشيد، والدتهم على مقربة تعد وجبة الغداء اليومية : رز (الحصة التمونية) ومرقة البطاطا. على مقربة منهم ثمة عوائل أخرى، بعضهم يعمل في جمع قناني البيبسي والعصائر، وآخر يعمل دواراً وثالث يعمل قرب إشارات المرور. يجمعهم الهم اليومي وجمع الدينار فوق الآخر لتمشية شؤون عوائلهم وأطفالهم الذين ترك أغلبهم الدراسة بسبب الفقر والحاجة، اذ زجّ الكثير منهم في أعمال ربما لاتناسب أعمارهم.

تصاعد نسبة الفقر
بين آونة واخرى تصدر بعض المظمات المحلية والدولية إحصاءات عن نسب الفقر في العراق، لكن دون التوصل الى الرقم الحقيقي. وعلى الرغم من افتقار الحكومة إلى قاعدة بيانات أو طريقة علمية لحساب معدل الفقر في العراق إلا أن منظمة بغداد للدراسات الاجتماعية والاقتصادية أكدت أنه ما بين 38 إلى 40% باتوا ضمن خانة الفقر في العراق. وزارة التخطيط سبق ان كشفت ،عبر بيان صحفي، عن ارتفاع نسبة الفقر في العراق الى 22.5%، وارتفاع النمو السكاني 3% سنوياً. مبينة ان نسبة الفقر ارتفعت خلال العام 2015 الى 22.5%، بعد ان كانت خلال العام 2014 قد بلغت 15%”، لافتة الى ان النسبة ارتفعت بعد سقوط مدينة الموصل ومجموعة من المدن العراقية بيد عصابات داعش الإرهابية، التي تسبب بحدوث موجة نزوح عالية لملايين المدنيين.

مسح جديد في أيلول
كما أعلنت الوزارة عن سعيها لإطلاق مسحين خلال شهر أيلول المقبل، الأول لمعرفة نسبة الفقر في العراق والآخر لمعرفة أعداد العراقيين في الخارج والكفاءات منهم. وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي إن الوزارة تعمل على إطلاق مسح جديد لمعرفة معدلات الفقر في العراق خلال شهر أيلول المقبل، وانها أنهت الاستعدادات اللازمة لذلك بالتعاون مع البنك الدولي. منوهاً الى أن المسح سيتم خلاله أخذ عينات عشوائية وتسجيل معدلات دخلها ومن ثم مخرجاتها ومقدار المصروفات لمعرفة معدلات الفقر للاستفادة منها في إعداد الخطة الخمسية للأعوام من 2017 الى 2022.

الفساد أسّ الفقر الأول
يتحدث الجميع عن الفساد الذي ينخر كل مؤسسات الدولة والذي تسبب بزيادة معدلات الفقر في ظل تنامي ثروات آخرين، كما ان سطوة بعض الأحزاب على مفاصل الدولة الإنتاجية تسببت بزيادة البطالة وبالتالي تصاعد نسبة الفقر رغم كل الموازنات الانفجارية التي شهدها البلد في السنين الماضية وآخرها ما أقره مجلس النواب بالأغلبية على الموازنة المالية لعام 2016، البالغة (105 تريليونات دينار عراقي) أي ما يقارب الـ (90 مليار دولار). الباحث الاجتماعي يونس ابراهيم اوضح لـ(المدى) أن أهم أسباب زيادة الفقر في البلاد يعود الى الفساد المستشري في شتى مفاصل الدولة العراقية. معتبراً انه أسّ الفقر الأول، عازياً ذلك الى غياب الجهات الرقابية الفاعلة وتباطؤ عمل هيئة النزاهة في حسم ملفات الفساد واستعادة الأموال المسروقة.

ستراتيجية مكافحة الفقر في العراق
الحكومة العراقية أعلنت في الشهر الماضي عن ستراتيجية وطنية لتخفيف نسبة الفقر للسنوات الأربع المقبلة دون كشف تفاصيل تلك الستراتيجية والأرضية التي ستعمل عليها في ظل الأزمة المالية الحالية. الأمين العام لمجلس الوزراء مهدي العلاق قال ان هناك صنفاً جديداً من الفقراء ظهر بعد أزمة داعش وهم الفقراء النازحون الذين كانوا أغنياء قبل احتلال مدنهم ومناطقهم ودخلوا خط الفقر نتيجة ظروف النزوح، الأمر الذي زاد من العدد الكلي للفقراء في البلد، مشيراً الى ان عدد الفقراء في البلد بلغ بعد أزمتي داعش وانخفاض أسعار النفط نحو (8) ملايين بينهم (36%) فقراء جدد.
واضاف العلاق: ان من بين كل (10) نازحين تم تسجيل (4) فقراء مايعني ان نسبة كبيرة من النازحين هم دون مستوى خط الفقر، مؤكداً ان ماحققته وزارة التخطيط ولجنة تنفيذ ستراتيجية تخفيف الفقر من انجاز من عام 2008 وحتى عام 2012، قد فقد نتيجة لأزمتي انخفاض أسعار النفط وداعش، حيث كان من المفترض ان تصل نسبة الفقراء في البلد عام 2014 الى اقل من (13%) لكنها ارتفعت الى (22.5%).

صندوق من أموال المانحين
وفيما يخص الستراتيجية، قال المتحدث باسم وزارة العمل عمار منعم لـ(المدى) ان إعداد الستراتيجية الجديدة يأتي بعد انتهاء العمل بالقديمة وكذلك للتخفيف من معدلات الفقر التي ارتفعت بسبب ظروف البلاد الأمنية والاقتصادية، عازيا ارتفاع معدلات الفقر في العراق وبلوغها نسبة 23%، إلى انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية، والحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي والتي تسببت بنزوح المواطنين من مناطق سكناهم إلى مناطق أخرى.
واضاف منعم: إن الحكومة تعمل الآن بالتنسيق مع البنك الدولي على إعداد الستراتيجية الجديدة التي ستكون مختلفة عن سابقتها مع الأخذ بالحسبان التطورات الحاصلة في البلاد. موضحاً: ان ستراتيجية التخفيف من الفقر تتضمن إنشاء صندوق يستقطب أمواله من المانحين والموازنة العامة وبذلك يمكن العمل بمبدأ الاستثمار لزيادة أموال الصندوق وتحقيق الاكتفاء لسد حاجة شريحة كبيرة من المجتمع من خلال تهيئة المبالغ في مشاريع تخدم الفقراء. لافتاً الى ان هيئة الحماية الاجتماعية التابعة لوزارة العمل لديها مشروع كبير لشمول الفقراء بإعانة الحماية الاجتماعية تعمل وفق معيار خط الفقر الذي حددته وزارة التخطيط وذلك لشمول الأسر التي تقع دون مستوى خط الفقر لتحقيق التكافل الاجتماعي في المجتمع .

الصناعة الوطنية تكافح الفقر
ركزت الخطة الخمسية لـ5 سنوات التي أطلقتها الحكومة العراقية من 2013-2017، على النهوض بالقطاع الخاص وتنشيط الاستثمارات، واستهدفت الوصول بنسبة البطالة الى نحو 6% حتى عام 2017، لكنها لم تتحقق اهدافها، نظراً لمتغيرات أسعار النفط بحسب مسؤولين عراقين غضّوا الطرف عن اهمية استعادة الإنتاج الوطني والصناعات المحلية. الخبير الصناعي قاسم حسن أوضح لـ(المدى) : لو استطاعت الحكومة تشغيل ولو نصف المعامل والمصانع المتوقفة عن الإنتاج والبالغة المئات لانخفضت نسبة الفقر تدريجياً. منوهاً الى ان الكثير من عمال وموظفي تلك المعامل يعدّون عاطلين عن العمل. لافتاً الى ان اغلبهم يتقاضون مرتباتهم كل ثلاثة او أربعة أشهر وأحياناً تكون هناك نسبة استقطاعات كبيرة فيها. مشددا: على أهمية إعادة الروح الى المشاريع الصغيرة للقطاع الخاص أيضاً ودعمها مع ضرورة وضع ضوابط على الاستيراد.

تصاعد مضطرد
تجاوزت أعداد النازحين 3.2 مليون شخص، يعيشون في ظروف صعبة، وفقاً لتقارير منظمات إنسانية محلية وأجنبية، فإذا نظرنا للعراق حسب المناطق نجد أن نسب الفقر الأكثر ارتفاعاً هي في المناطق التي تخضع لسيطرة داعش، حيث تصل إلى نحو 41%. وتنخفض قليلاً في المناطق المحاذية لها، مثل كركوك وديالى، لتصل إلى 31%. وفي إقليم كردستان ارتفعت نسبة الفقر بسبب موجات النزوح إليه، حيث بلغت 12%. حسب بيانات وزارة التخطيط والتي بينت ايضا أن نسبة الفقر في المحافظات الجنوبية ارتفعت إلى 31%. فيما بلغت في محافظات الوسط نحو 17%، وفي بغداد 13%. هذه المعدلات سجلت نهاية عام 2014. ولم تتمكن الوزارة من إجراء إحصائيات أخرى بسبب الأوضاع الاستثنائية التي تشهدها البلاد، حسب وصفها.

مناطق آمنة لكن فقيرة!!
بشأن تلك الإحصاءات، ذكر المختص في الشأن الاقتصادي د. اسماعيل التميمي لـ(المدى) : بالطبع فإن الإرهاب هو أحد الأسباب المهمة في زيادة نسبة الفقر في البلاد، خاصة في المناطق التي احتلت من قبل عصابات داعش، او تلك التي تتعرض الى عمليات ارهابية يسقط جراءها عديد من الضحايا منهم معيلو عوائل. مستدركاً: لكن لماذا تزداد النسبة في مناطق يفترض انها آمنة وتتمتع بظرف أمني جيد مثل المحافظات الجنوبية؟ متسائلا عن سبب ذلك في الوقت الذي كانت هذه المدن تعج بمئات المعامل الإنتاجية وآلاف الدونمات الزراعية التي كانت تؤمن جزءاً كبيراً من سلّة العراق الغذائية. مشيراً الى غياب البرامج الحقيقة في ردم الفوارق الطبقية والقضاء على البطالة من خلال إيجاد فرص عمل ملائمة لكل مواطن قادر على ذلك.

تدني أسعار النفط والنازحون ؟؟
انخفضت نسبة الفقر في البلاد بعد أعوام العنف الطائفي بشكل كبير، لكن الأزمة الأخيرة التي تعرضت لها البلاد نتيجة احتلال تنظيم داعش الإرهابي لبعض المحافظات وانخفاض أسعار النفط أدت الى عودة معدلات الفقر الى ماقبل عام 2008 اي(22.5%). رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في البرلمان صادق المحنا يتوقع أن معدلات الفقر في العراق ستتجاوز الـ(30%) خلال 2016 الى جانب ارتفاع نسبة البطالة عن العام الماضي بسبب تدني أسعار بيع النفط في الأسواق العالمية. مضيفا: ان الشرائح الأكثر تضرراً هم المصنفون تحت خطر الفقر.
ووفقا لمقرر اللجنة المالية في البرلمان عادل خميس، وحسب تصريح صحفي، فإن أسباباً جديدة أسهمت في زيادة الفقر ومنها العمليات العسكرية في بعض المحافظات التي دفعت بأهل تلك المناطق إلى النزوح الى مناطق أخرى بحثاً عن الأمان، ما جعلهم مستهلكين غير منتجين. موضحاً  ان أغلب الأراضي الزراعية في تلك المحافظات تركت بدون زراعة، علماً أنها أراضٍ خصبة جداً ما دفع العراق إلى زيادة الاستيراد للفواكه والخضر ومواد أساسية أخرى كانت تنتج في معامل ومصانع العراق وبهذا زادت نسبة العاطلين عن العمل بصورة كبيرة.

مزاد البنك المركزي
من أهداف الستراتيجية السابقة للتخفيف من الفقر للأعوام 2014-2017 ستة أهداف شملت تحقيق دخل أعلى للفقراء وتحسين مستوى التعليم والصحة وتحقيق حماية اجتماعية وتقليل التفاوت بين الرجال والنساء، اضافة تحقيق بيئة سكن مناسبة للفقراء. إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل ولو بشكل نسبي، والدليل هي الإحصاءات التي تشير الى ارتفاع نسبة الفقر. الحكومة تبرر ذلك بسبب انخفاض أسعار النفط واحتلال داعش لبعض المحافظات إلا أنها لاتشير الى الفساد والمشاريع الوهمية ومزاد بيع العملة.
عضوة اللجنة المالية البرلمانية النائبة ماجدة التميمي ذكرت أن مزادات العملة التي يشرف عليها البنك المركزي العراقي ويبيع العملة الصعبة فيها، خاصة للتجار المستوردين، هي إحدى مصادر الفساد وضياع الأموال. موضحة: ان نحو (57%) من إيرادات النفط تذهب إلى الخارج عن طريق البنوك إلى شركات التحويل، ونحن حددنا المصارف الأكثر شراءً للعملة الأجنبية واكتشفنا أن ما بين 10- 15% فقط هو ما يذهب للاستيراد، أما المتبقي فهو عبارة عن غسل للأموال ودعم للإرهاب، حسب التميمي، مشددة على أهمية استرداد الأموال المهرّبة لمعالجة الأزمة الاقتصادية وآثارها على المجتمع.

ترك الدراسة والاتجاه صوب العمل
في مناطق شتى من العاصمة بغداد يتوزع عدد كبير من الفقراء في عشوائيات سكنية او في بنايات حكومية متروكة منذ العام 2003. "أبو حازم" أحد هؤلاء الذين يسكنون قرب الخط السريع محمد القاسم بجانب مجمع الزهور السكني الذي تشيّد عماراته منذ أربع سنوات تقريباً يقول: أعمل في مطعم للأكلات الشعبية،  ما أتقاضاه من أجر يومي لا يكاد يسد احتياجات العائلة مع بعض المساعدات التي أحصل عليها من وزارة العمل، موضحاً انه لجأ الى السكن في العشوائيات لعجزه عن دفع إيجار أي بيت مهما كان سعره. منوهاً الى ان اثنين من أبنائه اضطرا الى ترك الدراسة، اولاً لصعوبة الوصول الى المدرسة وثانياً لعدم قدرته على تسديد مصاريف الدراسة، موضحاً: إنهما يعملان الآن في أحد الأسوق يبيعان أكياس التسوق.

دنانير وملايين
في الوقت الذي كان "جمال" يعدّ فيه حفنة الدنانير التي جناها من عمله في جمع نفايات بعض محال بيع أجهزة الهاتف النقال، كان هناك من يعدّ ملايين الدنانير،وربما الدولارات، من أرباح يومية، مثلما ذكر. مضيفاً: رغم كل ذلك يبقى للدنيار الحلال طعم خاص، رغم أن ما جمعه هو وإخوته يكاد لا يسد أي باب من أبواب صرفيات العائلة التي تزداد بشكل مستمر.
زميله "حسين" ،القادم من منطقة النهروان، والذي يحاول حماية نفسه من أشعة الشمس، من خلال اعتمار قبعة كبيرة تشبه قبعات المكسيكيين، يقول: لم نكن نتوقع ان يصل الحال بالكثير من العراقيين الى هذا الحد من الفقر. مضيفاً: في ذات الوقت هناك من ترتفع أرصدتهم في المصارف والبنوك وتتوسع قصورهم وعماراتهم فيما تضيق مساحة سكن الفقراء شيئاً فشيئاً مثلما تقل فرص عملهم وتنحصر. لافتاً الى تسبب الشعب بذلك حين أصر على إعادة انتخاب ذات الوجوه مرة إثر أخرى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram