إذا كان مسلسل تفجير الكازينوهات في البصرة قد كشف عن هزال الوضع الأمني في المدينة، وكذب إدعاءات السلطات الأمنية وفشل خططها، فإنه يكشف بذات الوقت عن حجم كراهية الحياة التي يُضمرها البعض، تكشف عن مستقبل غامض لمرحلة ما بعد داعش. إذ من غير المعقول ان يكون عمل الفتيات في الكازينوهات هذه أو تدخين الاركيلة أسباباً للتفجير. ولكي يتبين لنا مقدار الوحشية عند البعض راحوا يقولون بان أصحاب الكازينوهات لم يمتثلوا للتهديدات الورقية التي بعث بها هؤلاء قبل قيامهم بالتفجير، هكذا ببساطة: يأتي أحدهم ويلقي قصاصة ورقية، فيها تهديد بوجوب طرد الفتيات العاملات وقد يضمنُها رصاصة كلاشنكوف، ومن ثم يقوم بالتفجير، أي البلاد هذه؟
على الشارع الطويل، بأبي الخصيب، يخرج أحدهم بندقية ويرمي شريطا كاملا من رصاص حي، باتجاه احد البيوت، لا يبعد الحادث هذا عن نقطة التفتيش أكثر من خطوات عشر. كان الشرطي يقلب هاتفته، دونما حراك منه. أمر واضح بأنه تهديد لسكان البيت، نزاع عشائري، لا أكثر، لست معنيا بذلك (آني شعليه) هكذا لسان حال الشرطي. ولسان الحكومة مع أجهزتها الأمنية لا يختلف عن ذلك، هي تعلم علم اليقين أسماء الجهات والعناصر التي تُطلق النار وتفجِّر وتقتل لكنها تقول : آني شعليه، لا بل نجزم بان ما يحدث يتساوق فكريا مع فلسفة إدارة الحياة في البلاد هذه، أفينا مَن يعتقد بان عضوا ما في الاحزاب الدينية يُجيز عمل الفتيات في مثل الأمكنة هذه؟ أبداً، لكن، أبيننا من يشك بسعيهم وحبهم للنساء والتمتع باجسادهن في بيروت واسطنبول وشرق آسيا حيث يدمن البعض منهم السفر الى هناك؟
لا نجد حزبا دينيا او جماعة مسلحة تدّعي الانتساب لطائفة اسلامية ما، وقفت موقفا مشرفا أزاء طبقة فقيرة. يأخذ المشمول بالرعاية الاجتماعية راتباً يتراوح بين الـ( 75-100) ألف دينار في الشهر، وهذا مبلغ لا يكفي لإطعام كلب حراسة في بيت أحدهم، ويعلمون علم اليقين بحاجة المتقاعد الأكيدة للمال، فما يتقاضاه لا يكفي لزيارة طبيب مرة او مرتين في الشهر. ومع جيش العاطلين عن العمل، مع الزيادة في عدد المرملات بسبب الحروب التي تسببت بها الاحزاب الدينية هذه، لا نجد مخرجاً معيشيا وحياة كريمة للملايين التي تزداد فقرا يوما إثر آخر.
في القاهرة، ذات يوم، وانا في المقهى وقف رجل أعمى تقوده بنت صغيرة، هي ابنته، تحمل علبة صغيرة، فيها نفط ولفافة قطن. كانت تلقم فاه أبيها اللفافة ويقوم هو باشعال النار في فمه ثم ينفثه عاليا، في فعل بهلواني، غرائبي. أذكر أنه وفي تبرير لما يقوم به قال: يحرق الله أجساد اللصوص يوم القيامة لسرقاتهم ، أما أنا فأحرق جسدي في الدنيا لأعيش. أتذكر ذلك الآن، حيث يكرر صاحبي على مسامعي بان الكازينوهات هذه اصبحت بؤراً للفساد والتحلل الأخلاقي، فأقول أو لدينا أكثر من هذا الفساد؟ أعندنا أكثر من التحلل الاخلاقي هذا؟ وانا أنظر في الشاشة البيضاء لصورة عضو مجلس احدى المحافظات عارياً، وهو يمارس الجنس على السكايب مع أحداهن!
أمس، وفي تقاطع، وسط المدينة احتجزت الشرطة عشرات الدراجات النارية ورأيت بين الواقفين، المتوسلين شخوصاً بعمر الخمسين والستين، يقفون تحت الشمس المحرقة متوسلين الشرطي الإفراج عنهم وتسليم دراجاتهم اليهم، ومن يذهب لساحة الحجز التابعة لمرور البصرة في الحيانية يشاهد مئات الآلاف من الدراجات المحجوزة، التي تركها أصحابها هناك بعد ان يئسوا من محاولات أستردادها، ومَن كانت له حاجة عند مركز للشرطة سيعلم حجم الأذى والابتزاز والذل هناك. ومثل ذلك وأكثر يحدث ويعلمه القاصي والداني في معظم دوائر ومؤسسات الدولة. تُرى أين العناصر المسلحة التي تدّعي حماية المجتمع من الفساد والتحلل الأخلاقي من هذا وذاك؟ ألم تمْثِل صورة العامل في كازينو عروس البصرة، الذي أُنتشلت جثته بعد التفجير باسبوع امام عين أحدٍ منكم؟
مسلسل تفجير الكازينوهات في البصرة
[post-views]
نشر في: 13 أغسطس, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 1
محمد سعيد
غادرت البصرة عام 1959 مدينتي ومكان ولادتي ولم اعد اليها الا في عام 1970 ولفتره قصيره. ومنذ ذلك الحين اسمع وأقرئ عن تردي اوضاعها والحروب التي خاضها صدام عبرها ودمر فيها ليس فقط بني واسس المدينة الحضارية وتاريخها العتيد , بل حطم نسيجها الاجتماع