لا أعرف كم من الوقت يحتاج المرء لكي يلتقي رئيس الجمهورية، لكنني أفترض أنّ أمراً كهذا يحتاج إلى بضعة أيام. وأفترض أيضاً أنّ مَنْ يطلب لقاء رئيس الجمهورية لديه موضوع جدّي ليبحثه معه، فمكتب الرئيس ليس مقهى للمسامرات. أفترض أن الموضوع الجدّي يشغل طالب اللقاء مع رئيس الجمهورية أياماً وأسابيع.
جاء في الأخبار أخيراً أن الرئيس فؤاد معصوم التقى الشيخ جمال الوكيل أمين عام حركة الوفاق الإسلامي ( الخميس الماضي)، "حيث جرى تبادل وجهات النظر حول المشهدين السياسي والأمني، فضلاً عن قضايا متعددة تتعلق بهموم ومشاكل المواطنين". تتمة الخبر تفصح عن مضمون اللقاء ومضمون الجهد الذي أخذ من الشيخ الوكيل أياماً وأسابيع وربما أشهر: " كما قدم سماحته الى السيد رئيس الجمهورية مذكرة تتضمن طلب إصدار عفو خاص عمّن تورطوا في موضوع الشهادات الدراسية المزوّرة للمراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية".
بالطبع من حقّ أيّ فرد من مواطني الدولة أن يقابل رئيس الجمهورية وسواه من كبار المسؤولين لأمر يتعلق بالشأن العام، وعُرفاً فإن السياسيين متقدمون في هذا الحق على غيرهم، لكن من اللازم ألّا يتعامل السياسيون أو سواهم مع مكتب رئيس الجمهورية وسائر مكاتب الدولة على أنها " خان جغان".
الشيخ الوكيل من الشخصيات المعارضة لنظام صدام حسين. أفترض أنّ هذا يُرتّب على الشيخ الوكيل مسؤولية مضاعفة حيال إقامة نظام حكم في البلاد لا يقارن بنظام صدام في سوئه. لكنّ مسعى الشيخ الوكيل مع رئيس الجمهورية ينبئُنا بشيء مختلف. الشيخ الوكيل يريد استخدام نفوذه لدى رئيس الجمهورية للعفو عن الآلاف الذين قدّموا، بمساعدة أحزابهم وهي في الغالب أحزاب إسلاميّة، شهادات مزوّرة للاستحواذ على وظائف في الدولة.
الجريمة التي يريد الشيخ الوكيل الدفاع عنها وتوريط رئيس الجمهورية أيضاً في الدفاع عنها هي جريمة مركّبة، فمرتكبوها قاموا من ناحية بتزوير شهادات والتقدّم بها الى دوائر الدولة لشغل الوظائف، وهم أيضاً من ناحية أخرى اغتصبوا هذه الوظائف من مواطنين صالحين لم يشاءوا أن يزوّروا الشهادات أو يوسّطوا مسؤولين لشغل الوظائف التي كانت مستحقّة لهم لكونهم يحملون شهادات حقيقية، وسرقها منهم مزوّرو الشهادات بمساعدة أحزابهم. ولا ينبغي أن ننسى جريمة ثالثة يمكن أن تكون قد ارتكِبت في هذه القضية، وهي جريمة أخذ رشى من المزوّرين للتستّر على تزويرهم ولتقديم الوظائف إليهم.
أرجو أن لا يكون رئيس الجمهورية قد أعطى كلمة للشيخ الوكيل بالسعي لتحقيق ما طلبه منه، بل أجد أنّ من واجب رئيس الجمهورية بوصفه الحارس الأمين على تطبيق الدستور أن يرفض صراحة الطلب لشرعنة كلّ هذا العدد من الجرائم.
السؤال المهمّ: إذا عفونا عن مزوّري الشهادات، أي اعتبرنا أنهم لم يرتكبوا جريمة وهو ما يترتّب عليه بقاؤهم في وظائفهم المُغتصبة، مَنْ سيتولّى قضية الآلاف من المواطنين العراقيين الصالحين الذين اغتصِبت فرصهم في الوظائف العامة التي استحوذ عليها المزوّرون الذين تحمّل الشيخ جمال الوكيل مشقّة التفكير في قضيتهم أياماً وأسابيع وأشهراً ثم السفر الى بغداد لمقابلة رئيس الجمهورية؟
والسؤال المهمّ الآخر: ما الذي سيبقيه الشيخ جمال الوكيل، ورئيس الجمهورية إن قبِل بمسعى الشيخ، لحملة الحكومة والمجتمع من أجل مكافحة الفساد الإداري والمالي؟
بينَ الشيخِ والرئيسِ... فساد!
[post-views]
نشر في: 14 أغسطس, 2016: 05:57 م
جميع التعليقات 1
ام رشا
استاذ عدنان كيف يتجرأ كائن من كان معمم او غير معمم ان يطلب مطلبا كهذا من رئيس الدولة لو ما يكون عارف مسبقا بامكانية تحقيق المطلب خصوصا وان البلد اصبح بلد الصفقات والاثنين لديهم قواسم مشتركه عديده وتحالفهم القديم لا يزال قائما والشيخ الوكيل جاء حاملا همو