قبل عام في لندن خرجت بريطانيا شعباً وحكومة لتحتفل بذكرى واحد من ابرز صنّاع حاضرها " ونستون تشرشل "، ونقلت لنا وسائل الإعلام صورة رئيس الوزراء وأركان حكومته يلقون التحية على قبر الرجل البدين الذي قال يوماً للبريطانيين: " عندما تسوء الديمقراطية يكون سوؤها فظيعاً.
وقبل أيام في بغداد نشرت وسائل الإعلام حكاية بيت أول وزير مالية في العراق ساسون حسقيل وهو يتعرض إلى معاول الهدم بموافقة رسمية وتشجيع من أمانة بغداد التي استنكرت على الرجل ان يكون جزءاً من تاريخ بغداد.
تقدم لنا حكاية ساسون حسقيل الاقتصادي والسياسي الذي تولّى وزارة المالية خمس مرات في أوائل تأسيس المملكة العراقية، أنموذجاً للتفاني والنزاهة، فالرجل ومن شدة حرصه على المال العام، ذهب اسمه مثلا، فتجد العراقيين يقولون لمن يتشدد في أمور المال "يمعود لتحسقلها زايد".
يكتب علّامة بغداد جلال الحنفي في كتابه معجم الألفاظ العامية البغدادية: "ارتبطت مفردة حسقلة بوزير المالية ساسون حسقيل الذي عرف عنه حرصه الشديد على ميزانية الدولة العراقية وتشدده في أمور الصرف".
ولعلَّ من أشهر الروايات عن الوزير ساسون حسقيل ما جرى بينه وبين رئيس الوزراء ناجي السويدي حول مبلغ "45" دينارا الذي كان ضمن التخصيص المالي الذي قدمته الحكومة الى وزير المالية لترميم بناية "القشلة"، واعذروني لأنني أُعيد " وأصقل " بهذه الحكاية، ولكن ماذا نفعل وساستنا الاشاوس، في ظل مساوئ الديمقراطية ، لم يقدموا لنا ولو نموذجاً بسيطا للنزاهة وحب الوطن.
التقى السويدي بحسقيل أفندي وقال له: لماذا اقتطعت (45) دينارا من الـ (300) دينار المخصصة لترميم بناية القشلة على وفق تخمينات المهندس المسؤول.
حسقيل: يا سيد ناجي ناقشت هذه المسألة مع المهندس في موقع العمل ودار بيني وبينه حديث طويل وتوصلنا الى نتيجة مفادها بأن (255) دينارا تفي بالغرض.
السويدي: خلف الله عليك ساسون أفندي أليس بالإمكان إعادة مبلغ التخمين الى (300) دينار. ان القشلة من المعالم التاريخية لبغداد.
ساسون: سيدنا الحفاظ على المعالم التاريخية في بغداد يجب ان يكون متوازيا مع الحفاظ على المال العام!
عندما تشاهد على شاشات التلفزيون، ما فعلته الديمقراطية العراقية الجديدة، في العاصمة التي تحولت الى خرائب من خرائب القرون الوسطى، ماذا يخطر ببالك؟ لا أدري، أما أنا فيخطر لي أن أرفع برقية إعجاب وتقدير لهذه النفوس التي لا تريد أن يغادرها الحنين إلى "لفلفة" المال العام.
لقد كان مؤسفاً أن تتخذ أمانة بغداد هذا الموقف الغريب من تراث الرجل الذي عشق بغداد وتوله بحبها، والسبب لأنه لا يملك بطاقة انتماء لأحد الأحزاب الدينية الحاكمة.
الأمانة تجتث ساسون حسقيل
[post-views]
نشر في: 14 أغسطس, 2016: 06:38 م
جميع التعليقات 1
قيران المزوري
كيف. ليس لنا نموذجآ بسيطآ في حب الوطن يا استاذ علي المحترم ،، لماذا كل هذا الاجحاف بساسة العراق العظماء ،، الم يصرح الاستاذ موفق الربيعي بأنه و منذ عام ٢٠٠٣ يقدم مبلغ اكثر من عشرة ملايين دينار للمحتاجين والفقراء مع العلم راتبه اقل من اربع ملايين حسب ادعا