الأربعاء، 16 إبريل 2025

℃ 16
الرئيسية > أعمدة واراء > أبلغ الشتائم حق كل فاسدٍ وظالم

أبلغ الشتائم حق كل فاسدٍ وظالم

نشر في: 15 أغسطس, 2016: 09:01 م

الشتيمة ليست رأياً، حيث تبلغ الآلام الحناجر أو عندما لا حكمة ولا موضوعية، فتكون الشتيمة صعود سلم اليأس لبلوغ ذروة اللغة وهي في حال من التخلي عن وقار اللسان ولياقة القلب عند تلك اللحظة التي لا خيار فيها ولا رويّة. الشتيمة لغة في الغضب حيث لا مفرّ فتكون "اللا بدّ" لا سواها لحظة متوترة لا هدوء فيها ولا استرخاء، على ما في الشتيمة من كراهة وقبح. مفردة "لص" وحدها شتيمة تخزي الموصوف بها، سواء ثبتت أم لم تثبت. أما "فاسد" فجاءت في القاموس الوسيط:  فَسَدَ، كنَصَرَ وكَرُمَ، فَساداً وفُسوداً: ضِدُّ صَلُحَ. والفَسادُ: أخْذُ المالِ ظُلْماً.والمَفْسَدَةُ:ضِدُّ المَصْلَحَةِ.وفَسَّدَه تَفْسيداً: أفْسَدَه.وتَفاسَدوا: قَطَعوا الأَرْحامَ.واسْتَفْسَدَ:ضِدُّ اسْتَصْلَحَ. وتشتم العرب بـ "أخزاك الله" كما شتم الخليفة محمد الأمين أبا نواس، عندما قال فيه أبياتاً تصف لقاء الأمين بجارية أعجبته. قال الأمين للشاعر: "أخزاك الله، أكنت مطلعاً علينا؟" فرد أبو نواس: "عرفت ما في نفسك فأعربت عما في ضميرك".وأرسل الوزير علي بن عيسى (وزير المقتدر) إلى عامل من عماله كتاباً بعزله قال فيه: "قد كثرت منك الشكية وعظمت فيك البلية، بفساد طويتك ورداءة نيتك، وليس مثلك من رتب لأعالي الأمور، ولا يعتمد في صلاح الثغور، وقد وقفت من خبرك على الجل منه وعرفت ما تناهى إلي عنه، فانصرف خسيس القدر، بت الله منك العمر (البصائر والذخائر). ويقال لمن أراد أمراً فأخطأ: "لقد أخطأت أُستك الحفرة". والشعراء الشتامون جعلوا من الشتيمة لحمة القصيد وسداه، وليس لنا أن نستزيد في هذا العمود المختصر، لكن لا بد من الجواهري الكبير، الذي هجا بلا إسفاف وشتم بلا فحش، فاسمعوه يقول، في إحدى مشهوراته، يهجو زمنه بما يصلح لزمننا العراقي الماثل:أي طرطرا سِيري على    نَهجِهِمُ والاثَر واستَقْبلي يومَك من         يومهمُ واستدبِري وأجمِعي أمرَكِ من         أمِرهِمُ تَستَكِثري كُوني بُغاثاً وأسلَمي     بالنفسِ ثم استَنْسِري انْ طوَّلوُا فطَوِّلي         أو قصَّروا فقَصِّري أو أجَرمُوا فاعتذري         أو أنذروا فبشِّري أو خَبَطوا عشوا فقُولي   أيُّ نجمٍ نَيِّرِ أو ظَلَموا فأبرزي        الظُلمْ بأبهَى الصُوَر شَلَّتْ يَدُ المظلوم لم        يَجْنِ ولم يُعَزِّر أو صَنَعوا ما لم     يبرَّرْ    منطقٌ فبرِّرِي أي طرطرا لا تنكري    ذَنْباً ولا تَسْتَغفِري ولا تُغطِّى سوءةً        بانت ولا تَتَّزِري ولا تغُضيِّ الطرفَ      عن فَرطِ الحيا والخَفرَ كُوني على شاكلةِ         من امرهم تُؤَمَّري كُوني على شاكلةِ        الوزيرِ بادي الخَطَر
(ديوانه الجزء الرابع). وقوله في مشهورته "دجلة الخير" في تحولاتها بين الغزل والشكوى والحكمة والهجاء:
يا دجلةَ الخير: ما يُغْليكِ من حَنقٍ يُغلي فؤادي، وما يُشجيكِ يُشجيني
ما إن تزالُ سياطُ البغْى ناقعةً في مائكِ الطُهرِ بين الحين والحينِ
ووالغاتٌ خيولُ البغْيِ مُصبحةً  على القُرى - آمناتٍ - والدهاقينِ
يا دجْلَة الخير: أدري بالذي طَفحتْ به مجاريك من فوقٍ إلى دُونِ
أدري على أيّ قيثارٍ قد انفجرتْ أنغامُكِ السمّرُ عن أناتِ محزونِ أدري بأنك من ألفٍ مَضَتْ هَدراً  للآنَ تهزْينَ من حكمِ السلاطينِ
(المصدر السابق).
في مرحلة، مثل التي نحن فيها، فاقت في بذاءتها كل بذاءة، وجرى فيها الفساد مجرى العفن في الطعام والسم في الشراب، وتسلط علينا من لا يرحمنا، وبلغ الظلم أقصاه حتى فاق قتل الإنسان قتل نملة، ورخصت فيها الضمائر حتى بيعت بسحتٍ حرام، وغلظت القلوب غلظة الحديد على أعناق البشر، فكل ما يقال فيها، وفي زعمائها ونوابها وحجّابها، مباح حلال وجائز، بل مطلوب وهذا وقته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: العالم يتوحش .. المخالبُ في لحمنا

العمود الثامن: قوات سحل الشعب

"الحشد الشعبي"... شرعنة التشكيل بوظائف جديدة

كلاكيت: "ندم" وعودة الفيلم الجماهيري

الحاكم بمنظور إمام سلطة الحق

العمود الثامن: المتشائل

 علي حسين أعترف أنّ الكتابة اليومية تتطلب من صاحبها جهداً كبيراً، فصاحب النافذة اليومية مطلوب منه أن يُقدِّم شيئاً يتجاوز ما اطلعت عليه الناس في الأخبار، وشاهدته من خلال الفضائيات، فالعبور إلى جسر...
علي حسين

(50) عاماً على الحرب الأهلية اللبنانية حياةً بين قذيفتين

زهير الجزائري 2 بين القتال والهدنةً القصيرة تغيرت الحياة الاجتماعية. لقد قضى الناس أياماً طوالًا في الملاجئ. نساء ورجال حشروا في مكان ضيق. شبان لم يعرفوا السياسة و ما أرادوا أن يعرفوها انفصلوا عن...
زهير الجزائري

اشكالية السياسة والتعصب تحليل سيكولوجي

د. قاسم حسين صالح المفهوم الشائع عند العراقيين بمن فيهم الكثير من المثقفين ، ان المتدينين يكونون متعصبين والمثقفين متحررين وغير متعصبين ، فهل هذا صحيح ام فيه رأي آخر ؟ لنبدأ بتحديد المفهوم...
د.قاسم حسين صالح

باليت المدى: كرسي مكسور الساق

 ستار كاووش عندَ لقائي ببعض الناس أفاجئ ببعض التفاصيل الصغيرة التي تُشير الى نوع من الكسل واللامبالاة وعدم إيجاد الحلول حتى وأن كانت صغيرة. فرغم إنغماس أحدهم بتعديلِ صُوَرِهِ ببرامج الفوتو شوب كي...
ستار كاووش
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram