غريبٌ، عجيبٌ أمر البلاد هذه، فقد أصبح كل شأن من شؤونها محط الريبة والشكوك، وباتت الحقائق والمسلمات فيها غريبة، وشبه مستحيلة بنظر الغالبية، بلاد لم يعد الصدق فيها إلا وهماً، ومثل ما فقدت الناس الأمن والمستقبل فقدت الطمأنينة، وحل الشك محل اليقين في أدق مفاصل الحياة. أقول ذلك لأن غالبية الذين علقوا على قضية الوزيرين البصريين الجديدين ( جبار علي اللعيبي وكاظم فنجان الحمامي) شككوا في استقلاليتهما !!! ومع يقيننا بان الرجلين من أكثر الناس استقلالية ومهنية، أكثرهم حرصا على بناء البلاد بالطرق الصحيحة، إلا أننا نجد الصعوبة في إقناع الناس، إذ لم تعد قضية الاستقلالية في العراق، مثلما كانت في العهد الملكي مثلاً، هنالك تصور يتجاوز اليقين حتى مفادة أن الدولة العراقية قائمة على أساس الحزبية والمحاصصة، ولن نجد وزيراً، مديراً عاماً خارج التوصيف هذا، أبداً.
والناس محقة في ذلك، فقد تمكنت الاحزاب الحاكمة، وخلال السنوات الماضية من التغلغل في مفاصل الوزارات بشكل غريب، فهي تقاسمت مناصب مثل وكيل وزير أقدم ووكيل وزير ومدير عام ومديري دوائر أخرى وهكذا، لعلمها بان منصب وكيل الوزير مثلا غير قابل للتغيير، لذا سيكون المنصب هذا من حصتها، حتى وإن تغيّر الوزير. من هنا ستكون مهمة الوزير الجديد صعبة، بل وغاية في الصعوبة، وعلينا أن نتصور وزارة مثل النفط أو النقل وهما وزارتان كانتا من حصة أحزاب حاكمة ( الدعوة، المجلس الاعلى، منظمة بدر، التيار الصدري ووووو) وقد استحكمت فيهما القوى الحزبية، التي تعاقبت وتمترست وبنَت وأسست وفسدت بشكل لا يمكن تصوره! تُرى من أين سيأتي الوزير المستقل بالقدرة الخارقة على نزع الوزارة هذه من قبضة المحاصصة والحزبية. أمر شبه مستحيل، وكان الله في عون الوزراء الجدد.
كثيرون قالوا بأن الوزراء الجدد لن يغيروا من المعادلة شيئاً، لأنهم لن يجدوا مَن يتعاون معهم في وزاراتهم، ولكي نقف على واحدة من هذه، نتذكر بان وزير النفط الجديد جبار علي اللعيبي كان من أشد المعارضين لبنود جولات التراخيص النفطية، أيام كان مديراً عاماً لشركة نفط الجنوب، وتم عزله عن إدارة الشركة من قبل الوزير حسين الشهرستاني، وهو الذي كان مرشحاً قوياً للوزراة، قبل أكثر من ست سنوات، وكذلك سيكون الحال بالنسبة لوزير النقل الحالي كاظم فنجان الحمامي، كان من المتحمسين لمشروع بناء ميناء الفاو الكبير، المشروع الذي تعرَّض لضغوطات السياسة وتداخل المصالح الحزبية فضلاً عن المشاكل الاقليمية مع إيران والكويت، وهكذا، سيجد الوزيران جدراناً كونكريتية صلبة أمامهما، إن لم يقف رئيس الوزراء بجانبهما، مع ما يحيطه من مشاكل، وهو الذي يعاني من إحباط من معارضي سياسته، الأمر الذي اتضح في كلمته التي ألقاها أمام البرلمان، صبيحة التصويت على الوزراء الخمسة، وهو الذي قال: يجب أن يكون استجواب الوزراء سياسياً، في إشارة الى استجواب وزير الدفاع.
اللعيبي والحمامي.. المهمة الصعبة
[post-views]
نشر في: 16 أغسطس, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 1
Nagi Allamy
الاخ الوزير كاظم الحمامي المحترم سلام الله عليك لا اريد ان احشرك في القاب المعالي والسياده لانها اصبحت لا تليق الا للفاسدين. من فبل عامين ونحن شغوفين بمقالاتك الصحفيه التي تنم عن وطنية كاتبها,وانت تثمن بها تلك النخب القياديه التي تركت لها بصمات في كل