TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لماذا عارضنا نظام صدام إذن؟

لماذا عارضنا نظام صدام إذن؟

نشر في: 16 أغسطس, 2016: 06:26 م

adnan.h@almadapaper.net

واحدة من أكبر مفارقات النظام السياسي القائم في العراق، بل هي من أوضح علامات فشله وانهيار قاعدته الأخلاقية والوطنية أنه لم يزل يعمل بقوانين نظام صدام وقرارات الدكتاتور غير الشرعية، بل يتمسك بها ويدافع عنها بضراوة داخل أهم هيئة في الدولة، مجلس النواب، بعد ثلاثة عشر عاماً من إسقاطه.
على مدى السنين العشر الماضية تضمّن جدول الأعمال للعديد من جلسات مجلس النواب مقترحات بقوانين لإلغاء قرارات أصدرها مجلس قيادة الثورة في العهد السابق. وذاك المجلس هو نظرياً قيادة حزب البعث المكلّفة بإدارة الدولة، وعمليّاً الهيئة الحكومية العليا التي تقرّ ما يقرّره صدام حتى لو كان ما يقرره الدكتاتور ضد المصلحة العامة أو الوطنية، بشهادة قياديين سابقين في حزب البعث وأعضاء في المجلس نفسه. ووجود المجلس كان من العلامات الدالّة على الطبيعة الدكتاتورية الشمولية لذلك النظام، ولهذا كان من  أول مطالب قوى المعارضة الوطنية العربية والكردية في ذلك العهد إلغاء المجلس. الكثير من قرارات مجلس قيادة الثورة تسبّب في مآسي شخصية وعامة لمئات الآلاف من العراقيين، وسنوياً كانت تصدر المئات من قرارات ذلك المجلس.
بالطبع وجود مجلس قيادة الثورة وصدور القرارات التعسفية عنه كان منسجماً تماماً مع الطبيعة الدكتاتورية الشمولية لنظام صدام.  والمفروض أنه كان من أولى مهام النظام الجديد إلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة وكل القوانين التي لا تتوافق مع النظام الديمقراطي الذي وعدتنا به الطبقة السياسية القادمة مع الاميركيين والبريطانيين الى السلطة بعد 2003، وتشريع قوانين بديلة تعكس الجوهر الديمقراطي المفترض للنظام الجديد.
الذي حصل أن هذه المهمة لم تتحقق، والسبب يرجع إلى أن الطبقة السياسية التي تولّت الحكم بعد صدام حسين لم تختلف في الجوهر عنه. هي طبقة مفروزة من أحزاب شمولية، كحزب البعث، تتولّاها قيادات دكتاتورية كصدام حسين. هذه الطبقة السياسية لم تهتمّ بإقامة نظام ديمقراطي، فشرّعت دستوراً ناقصاً هجيناً ربعه ديمقراطي وثلاثة أرباعه غير ديمقراطي. القوانين التي ألزم الدستور الطبقة السياسية الحاكمة بتشريعها في غضون سنة بعد انتخاب أول مجلس نواب ( مطلع  2006) لبناء الدولة ولضمان الحريات والحقوق الديمقراطية لم تُسنّ حتى الآن. هذه الطبقة السياسية لم تشعر بالحاجة لتشريع غير القوانين التي تخدمها وتثبّت سلطتها وتحفظ  مصالحها القائمة على الفساد ونهب ثروة الشعب، وهي وجدت في قوانين صدام وقرارات مجلسه ما يحقّق لها ما تريد فلم تكلّف نفسها اختصار أوقات مناكفاتها وصراعاتها ومنافساتها وحروبها ومؤامراتها البينية لتشريع القوانين التي يحتاج اليها الشعب.
بالطبع لا أحد من أفراد هذه الطبقة يجتاحه شعور بالعار كل صباح لأنه لم يزل يحكم بقوانين صدام وقراراته، ولا أحد منهم يعتريه إحساس بالمأزق الاخلاقي كل مساء كونه يحكم بتلك القوانين والقرارات... السبب الحقيقي لهذا هو ضعف الوطنية والأخلاق، بل انعدامهما. ومن لديه تفسير آخر فليفدنا به.
 الوطنيّة تقتضي والأخلاق تُلزم بأن نبرّر معارضتنا لنظام صدام وتأييدنا لإسقاطه. العمل حتى اليوم بقوانين صدام وقراراته لا يبرّر لنا وطنيّاً وأخلاقيّاً ما فعلناه. أليس كذلك؟ من لديه رأي آخر فليفدنا به أيضاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. محمد سعيد

    معظم شخصيات الطبقة الحاكمة في عراق اميركيا الجديد هم من رعاه حكم صدام حيث تمكنوا فعلا الاستحواذ بشكل او باخر علي الكثير من الامتيازات والثروات والعقارات عبر انظمه العشيرة الجائرة التي روج لها صدام او عبر منحهم المقاولات وعمولات المشروعات م

  2. alzahawe

    هذا المقال من أروع و أصذق ما كتبت و لاكن من يسمع و أن سمع ماذا سيغير من الأمور ؟؟؟ نحن شعب لا نزال في عقلية أنتضار المنقذ من هو لا يهم المهذي الأمريكان الروس و أن جاء المنقذ وفق مصلحته التي لا تتفق وصلحتنا سننتضر منقذ أخر و هكذا ذواليك الى أن نعي أن لا يح

  3. ياسين عبد الحافظ

    شكرا للمقال ، عزيزي استاذ عدنان العراق لا يحكم ال بقوة (غامرة وملهمة) هذا ما توصلت اليه بعد اكثر من 65 سنة من الوعي، وارجو ان تعلم والقراء اني لم اكن يوما بعثيا وخدمت اكثر من 10 سنوات خدمة الزامية واحتياط ، العراق بتشكيلته الحالية والعراقيون لن يستطيع

  4. ييلماز جاويد

    هل عندك شك أنهم من نفس الطينة ؟؟

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram