TOP

جريدة المدى > سينما > فيليب كاسل.. وتصميم ملصق البرتقالة الآلية

فيليب كاسل.. وتصميم ملصق البرتقالة الآلية

نشر في: 18 أغسطس, 2016: 12:01 ص

أدخلني فيليب كاسل إلى غرفته الأمامية كي أرى المرأة العارية على ركبتيها قريباً من بيانو العائلة. النحت الجصي هو مسحوق وهش وتحول إلى أصفر بمرور الزمن لكني أود أن أميز هاتين الحلمتين في أي مكان. هذا أحد التماثيل العارية التي تستخدم كأثاث- وتقدم المشروبا

أدخلني فيليب كاسل إلى غرفته الأمامية كي أرى المرأة العارية على ركبتيها قريباً من بيانو العائلة. النحت الجصي هو مسحوق وهش وتحول إلى أصفر بمرور الزمن لكني أود أن أميز هاتين الحلمتين في أي مكان. هذا أحد التماثيل العارية التي تستخدم كأثاث- وتقدم المشروبات من ثدييها- في المشاهد الافتتاحية ذات السخرية السوداء لفيلم "البرتقالة الآلية" لستانلي كوبريك المصنوع عام 1971. "كنت هناك، وذلك هو ألكس وأصدقائي الثلاثة الذين هم بيت وجورجي وديم إذ جلسنا في بار الحليب "كوروفا " نحاول أن نقرر ما نفعله في المساء".  

في المحاكاة الساخرة التشاؤمية لثقافة الشباب البريطانية التي صنعها كوبريك فإن البطل الضد العصري المستقبلي المفرط في العنف ينظم المشهد بصوت خارج الكادر بينما الكاميرا تتحرك حركة بان للخلف منه زملاؤه المسكونون بالحقد والمرتدون الأبيض وهم يأخذون تمثالا غير محتشم تماماً مثل هذا الذي أراه بأم عينيّ يا إخوتي في بيت كاسل.
إن راعي معرض "أحلام يقظة مع ستانلي كوبريك"، وهو معرض فني مستوحى من كوبريك مع أعمال لمات كوليشو ومايكل نيمان وجين ولويزا ولسون وآخرين، كانوا يائسين من استعارته على نحو مفهوم. يقول كاسل "لكن كان من الهشاشة إذ من الصعب تحريكه" وقد  قدم عمله الخاص بدلاً من ذلك إلى "سومرست هوس" في لندن بضمنه صورة شخصية جديدة  لكوبريك.
قصة كيف أن كاسل جاء ليملك قطعة من أكسسوار "بار حليب كوروفا" هو تلميح إلى الدقة الفكرية التي تجعل من ستانلي كوبريك أحد أعظم المخرجين في السينما وهو المثالي الذي جد في البحث عن أن ينحت كل وجه من أي فيلم – حتى الدعاية له.
كاسل هو فنان ومصمم ملصقات وأغلفة الألبومات وهو يمتاز بأسلوب في الرسم بالفرشاة ناصع ومتوهج أحياناً ومجبر على رؤيته حتى لو كنت لا تعرفه. يتراوح عمله من "دمعة تسيح من نصل كتف ديفيد بوي" على غلاف "علاء الدين سين" في عام 1973 ( في الهول التابع له تعلق مطبوعة موقعة من قبل بوي) إلى تصوير فرقة "بلب" لغلاف ألبومهم عام 1994 " His’n’Hers ". أيضاً رسم ملصقاً مرحاً ذا أسلوب خيال علمي على طريقة الخمسينات لفيلم "هجومات المريخ" لتيم برتن.
لكن أجمل ساعات كاسل- وربما هو السبب في أن بوي وبلب وبيرتن رغبوا فيما بعد بالعمل معه- جاءت مباشرة في بداية صنعته. كنوع من التقدير من "الكلية الملكية للفن" في النهاية المنهكة لعصرها كونها بيت الرسم الشعبي البريطاني وضع اعلاناً لعمله التصويري في صحيفة الايفننغ ستاندرد. تلقى مكالمة من وكيل الاعلان لدى كوبريك يدعوه إلى ييت للمخرج شمال لندن لمناقشة بوستر فيلم كوبريك الجديد.
كان كوبريك في ذلك الوقت من أفضل المخرجين الناطقين بالانكليزية في العالم ومشهور بصنعه أفلام "لوليتا" و"دكتور سترنجلوف" و2001" أوديسا الفضاء". وقد عاش في بريطانيا منذ أوائل الستينات وعمل تماماً من بيته تقريباً. يتذكر كاسل: "عمل كل شيء في البيت. الشيء المدهش أن كل الأبواب مقفلة. مغلقة بإحكام. كانا عاشقين بشكل كبير للكلاب وكانا يخشيان من أن الكلاب سوف تخرج وتختفي. هناك لافتات عن كل شيء:" ابق الباب مغلقاً". افترض أنهما لديهما العديد من الناس ... إنه أمر مثير للفضول فحسب شيء لا تستطيع توقعه".
 شاهد مع المخرج الفيلم وسجل كاسل ملاحظاته ورسم سكتشات في دفتر ملاحظات "باسيلدون بوند" الذي ما زال يملكه. صفحاته المصبوغة بالأزرق تملأ سكشتات لإبطال الفيلم ذوي القبعات الذين يمارسون العنف- كان فيلم كوبريك الجديد رؤيا ساخرة باردة للتشويه الدائم المؤسلب والعقاب المخزي معدة من رواية أنطوني برجس "البرتقالة الآلية" الصادرة عام 1962.
يظهر دفتر ملاحاظات كاسل الصغير بشكل مدهش بأنه ظهر مع ما يرى الآن كونه من أحسن بوسترات الأفلام في كل الأوقات. كان أحد التغييرات هو حاول أساساً أن يناسب رسوماته لمظهر شرير لمالكولم مكدويل وهو يمسك بسكين لامعة على تمثال لعارية جاثمة داخل حرف A  عملاق.  
يصبح هذا هرماً مدبباً في النسخة الأخيرة من البوستر الذي صبغ بتدرجات شعبية مفرطة أمام خلفية بيضاء مع شعار واضح وصريح:"مغامرات شاب اهتماماته الرئيسة الاغتصاب والعنف المفرط وبيتهوفن".
العين تهيمن على الملصق. إضافة إلى عين ألكس المحدقة المميتة هناك حدقة عين طافية تلمح إلى "معالجته" وفيها عيناه معلقتان ومفتوحتان بسعة بينما هو مجبر على رؤية الأفلام العنيفة والدعاية النازية. مع ذلك فإن ما يلفت انتباهك أكثر هي البلطة اللامعة وهي تبدو وكأنها تقفز للأمام بأبعاد ثلاثية. ويفسر كاسل الأمر بتواضع قائلاً:"إنها مستدقة جداً".
أراد كوبريك أن يصيغ كل جانب من تلقي الفيلم. يتذكر كاسل قائلاً:"كان لديه ناس يذهبون إلى دور العرض كي يتأكدوا بأن الشاشات نظيفة". كانت روح السيطرة المطلقة نفسها هي التي دعت كوبريك لإرساله إلى مصمم ملصقه تمثالاً من "كوروفا ملكبار" كي يستطيع أن يصور أبعاده بصورة صحيحة. على التمثال المتآكل في حجرة جلوس كاسل تستند قبعة. وهذه أيضاً قطعة من اكسسوار الفيلم أعطيت له كي يستطيع أن يحصل على القوس لحافتها مباشرة تماماً.  
الفن يملأ "البرتقالة الآلية". الأثاث الموحي بالجنس في "كوروفا ملكبار" مستوحى من "فن ألن جونز". تماثيل قبيحة لعاريات معلقة في البيوت التي يغزوها ألكس ورفاقه. إنه يرتكب جريمة باستعمال نحت من المرمر لقضيب. العالم البصري للفيلم هو إجلال بشع لفن البوب في الستينات.  
من المنطقي أن الفيلم المصمم بشكل غني لا بد من أن يشيع داخل ردهات السينما وفي الشوارع. نشر كوبريك وفريقه جريدة مقلدة سماها "ذا كلوكورك تايمز" خلق لها كاسل بعضا من أفضل الأعمال- لوحات ممتقعة لصور من الفيلم تتركز على الجنس والعنف الواردين فيه. لديه صورة فوتوغرافية لعائلته الشابة وهي تقف بفخر تحت نسخة ضخمة من ملصقه في أحد شوارع لندن. لكن حملة الترويج القوي التي قام بالجزء الرئيس فيها أعطت نتائج معكوسة.  
كان نجاح فيلم "البرتقالة الآلية" ساحقاً لكن استقباله كان رعباً حقيقياً. حكايات حقيقية لعصابات تتبنى العنف الوارد في الفيلم ملأت الصحف البريطانية. اتهم كوبريك بتشجيع الجريمة وحكايته الأخلاقية جرى اتهامها بعدم الأخلاقية. قام المخرج نفسه بحظر الفيلم من العرض في الشاشات البريطانية. لمدة طويلة حتى إعادة عرضه في عام 2000 فإن الصورة الوحيدة – بغض النظر عن القلة من الصور الساكنة- التي منحت جمهور الفيلم البريطاني حساً بالأسلوب والتهديد للبرتقالة الآلية كان الملصق الفعال الذي صممه كاسل.
استمرّ بالعمل مع كوبريك وبقيا صديقين حتى بعد رفض المخرج لملصق فيلم "باري ليندون" عام 1975 لأن الملصق كان هزلياً جداً. كان تعاونهما المحكم وصل مع فيلم "السترة المعدنية الكاملة" عن حرب فيتنام الذي رسم فيه كاسل الخوذة مع رمز السلام وعليه كلمات كتبت بسرعة "مولود للقتل". كان كوبريك مهتماً في التفاصيل مثل كيف سيبدو بالأبيض والأسود في عمود مفرد من جريدة محلية. لأنه كان خائفاً من الجدل حول البرتقالة الآلية فقد أوصى كاسل أن يحاول تصميماً جديداً بديلاً للأسواق الآسيوية لأنه كان قلقاً من الخوذة الأميركية التي "ستصبح مخربة".
مع ذلك كانت ذكريات الفنان عن ستانلي كوبريك حميمة. في أحد الأيام خابر المخرج لكاسل فجأة. فماذا كان طلبه الغريب.
قال:" هل تريد أن تشتري كلباً صغيراً؟"

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram