اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > "مبنى الاتصالات" في الرشيد.. تنويعات عمارة الشارع "الجليل"

"مبنى الاتصالات" في الرشيد.. تنويعات عمارة الشارع "الجليل"

نشر في: 20 أغسطس, 2016: 12:01 ص

يوظف رفعة الجادرجي في عمارة مبنى الاتصالات بالرشيد (1971)، احدى تنويعات المقاربة، التي اشتغل عليها، ونفذها في تصاميم عديدة سابقة على مبنى الاتصالات، مثل عمارة الأوقاف في العلوية (1969) ببغداد، وفي مشروع مبنى الشيخ خليفة، المنامة، البحرين (1969) <ل

يوظف رفعة الجادرجي في عمارة مبنى الاتصالات بالرشيد (1971)، احدى تنويعات المقاربة، التي اشتغل عليها، ونفذها في تصاميم عديدة سابقة على مبنى الاتصالات، مثل عمارة الأوقاف في العلوية (1969) ببغداد، وفي مشروع مبنى الشيخ خليفة، المنامة، البحرين (1969) <لم ينفذ>، وكما في مشروع الشيخة منيرة صباح الناصر، الكويت (1969)، <لم ينفذ>، وأيضا في مصرف الرافدين فرع المنصور ببغداد (1969) وكذلك في مبنى بنك أبو ظبي الوطني (1970)، أبو ظبي، الامارات، <لم ينفذ>. وهذه المقاربة تعتمد، اساساً، على تقطيع وتقسيمات مخطط المبنى المصمم، بواسطة مجالات او "باعات" Spans، بيد انها تنطوي على تنويع في أسلوب الاملاء في سطوح ما بين تلك المجالات وتوظيف خاصية الغلق والفتح فيهما. كما ان ذلك التنويع يشمل أيضا، الاختلاف في ارتفاعات تلك المجالات، وتحريك مواقعها في ارتدادات وتقدم تظهر جليا في واجهات المبنى. لقد أظهرت تلك المقاربة مزاياها التصميمية في الكثير من المشاريع المنفذة وغير المنفذة، واعتبر ظهورها كجزء من إضافات المكتب الاستشاري العراقي، الذي يقوده الجادرجي، في تنويعات المنتج المعماري المحلي. صحيح، ان مثل تلك المقاربة، يمكن مشاهدتها عند قحطان عوني في مبانيه "الستينية" (مبنى الكهرباء في الميدان ببغداد، ومبنى التأمين بالقرب من ساحة الطيران ببغداد ايضاً)، وقبل ذلك عند المعمار "فالتر غروبيوس" في رائعته التصميمية مجمع جامعة بغداد (قاعة الجامعة الرئيسية)، وكذلك لدى "لويس كان"، الذي ابهر بظهوره المفاجئ، وقتذاك، الوسط المهني الأمريكي والعالمي على حد سواء. ولست الان في وارد تقصي وتعقب مرجعيات هذه المقاربة والبحث في أصولها، لكني ازعم، بان الجادرجي بذائقته الفنية والجمالية العاليتين، وتتبعه الى ما ينجز في الممارسة المعمارية محلياً وعالمياً، استطاع ان "يجترح" مداخلته التصميمية على قدر كبير من التفرد والخصوصية.
يقع الموقع المختار لمبنى الاتصالات في شارع الرشيد بمنطقة السنك، والموقع ذاته كان، سابقاً، مكاناً مخصصاً لتقديم مقترحات تصميمية لمثل وظيفية ذلك المبنى، من قبل معماريين كثر منهم محليون وأجانب، على راسهم "فرنك لويد رايت" الامريكي، و"الفار آلتو" الفنلندي اللذين عملا، بانفراد، في نفس الموقع وقدما مشروعهما "مبنى الاتصالات" في الخمسينات، ابان الحملة التجديدية التي قادها مجلس الاعمار في حينها. وكلا التصميمين لم يرَ النور، ولم ينفذا في حينه، رغم الجهود التصميمية التي بذلت في اعداد تلك التصاميم (وخصوصا التصاميم المعدة من فرنك لويد رايت، التي اعتبرها (ويعتبرها كثر) من التصاميم المميزة في منتج العمارة العالمية، وفي منجز رايت نفسه!).
يقع المشروع، اذاً، في اهم شارع في بغداد، الشارع الذي يمتلك خصوصية واضحة، معبراً عنها بعناصر تصميمية تمنح المكان هويته وتدلل على تميزه الحضري والمعماري. ويبدو ان منهاج المشروع التصميمي المقترح من قبل رب العمل (وزارة الاتصالات)، كان يتطلب توفير فضاءات واسعة، ذات وظائف مختلفة في موقع انطوى على ابعاد متواضعة، ورثها عن الموقع السابق لمبنى الاتصالات القديم. وهذه الوقائع المكانية المحددة، استدعت الاستشاري لأن يتخذ قرارا للاتجاه عموديا بغية تلبية تلك المتطلبات المتعددة للمشروع، آخذا في نظر الاعتبار محدودية الموقع المتاح. وقد ترتب عن هذا القرار، الاعتماد على صيغة "المبنى الشاهق" المتعدد الطوابق، كحل ملائم لهذه الإشكالية التصميمية.
لقد نجم عن ذلك القرار المتخذ ضرورة مراعاة ناحيتين: الناحية العمرانية، والجانب المعماري. بمعنى آخر، على المصمم ان يأخذ بعين الاعتبار، مهام التخطيط الحضري، الناظم لمحددات المكان، في ذات الوقت عليه ان يعي خصوصية المكان، وسجيته و"عبقريته"، و"روحه الحارسة" او ما يعرف بـ "جني المكان" Genius Loci، انطلاقا من تلك الخصوصية التي يتمتع بها الشارع الشهير. وفي اعتقادي، فان المعمار أدرك سريعا، ضرورة إيجاد حلول تصميمية مقنعة، تلبي هذين المتطلبين: العمراني والمعماري. وقد تمثل الحل العمراني في احترام خصوصية الشارع وبعده الحضري، من خلال اللجوء الى كتلتين مختلفتين بالارتفاع. الأولى القريبة من حدود الشارع: يكون ارتفاعها متسقا مع سياق ارتفاعات الشارع، والأخرى مرتدة عن تخوم الشارع، وبارتفاع اعلى بكثير من ذلك السياق، لتأمين متطلبات احياز المشروع الواردة في المنهاج التصميمي. لقد جاء ارتفاع الكتلة المنخفضة بثلاثة طوابق، وهو العلو الشائع والمتجانس مع ارتفاعات معظم مباني الشارع الآخرى. ورغم ان المعالجة التكوينية الأساسية للكتلتين متماثلة تقريبا: ثمة خلايا لباعات مكررة تفصلها جدران آجريه وإسمنتية، تنتهي في اعلاها بأقواس، تخلق بتكرارها سلسلة من العقود المتوالية، تؤشر تقسيمات الباعات وتؤكدها، فان "تقدم" الكتلة الواطئة، عن موقع الكتلة العالية، منحها إمكانية الاتساق البصري المنسجم مع طبيعة الشارع، في الوقت الذي تظهر هيئتها الواضحة، انتماءً ظاهراً مع الكتلة العالية المرتدة.  ويبدو ان قرار المعمار، في هذا الشأن، كان مقتصراً على هذا الجانب فقط، من دون مراعاة لوجود الممر المسقف: المفردة التصميمية المانحة للرشيد هويته الخاصة وعنوانه المعماري. وقد يثير مثل هذا القرار جدلاً عن مشروعية هذا التغاضي لقيمة تلك المفردة المؤثرة، واهمالها المتعمد من قبل المصمم. لكن ذلك يبقى ضمن ذائقة المتلقي، فيما إذا كان قرار المعمار مصيبا ام لا. شخصياً، كنت تواقاً لأن أرى حلاً آخرَ، يستحضر وجوده اظهار نوع من الاهتمام ... والاحترام لتلك المفردة التصميمية وتبيان أهميتها التخطيطية والبيئة ايضاً. تعتمد اللغة المعمارية المصطفاة لمبنى الاتصالات في الرشيد، على إظهار القيمة "التكتونية" Tectonic، كإحدى القيم الأساسية التي يتكئ عليها الحل التكويني -الفضائي للمبنى. نحن إزاء محاولة، اراها جد موفقة وممتعة في آن، لجعل "الانشاء" يعمل بكل طاقته، مانحاً المبنى جمالية خاصة، تنشأ من خصائص الأسلوب التركيبي المعتمد ومزاياه. وهذا هو بالضبط ما اعنيه بـ "التكتونية"، أي توظيف الانشاء لإحراز قيم جمالية. ثمة "كتل" عديدة مختلفة الارتفاع والعرض والعمق، ومتماثلة في المعالجة التصميمية، سواء كان ذلك فيما يخص الواجهة الامامية ام الخلفية، او في تشابه معالجة الواجهتين الجانبيتين، تشكل بمجموعها "الجسم" الكتلوي للمبنى. وهذه الكتل تنهض في الموقع وفقا لسيطرة منضبطة يقوم بها المعمار، محددا بها ارتفاع اقسام المبنى ومعيّنا عرضها وعمقها، انطلاقاً من حدس فني وشخصي يمتلكه المعمار المتمرس، الذي يعرف جيداً (او يتوق ان يبدو كذلك) خفايا واسرار الذائقة الجمالية التي يتعاطى معها. فالقسم القريب من الشارع، يتكون من كتلة بنائية بارتفاع ثلاثة طوابق، وهي متضمنة تسعة مجالات <باعات> Spans (يسميها المعمار خانات) وثمة خانة عاشرة اوطأ منها بيد انها ملاصقة لها، تقوم مقام مدخل عمومي لمصلحة البريد والهاتف التي تشغل فضاءاتها جزءاً من هذه الكتلة. وتتصل هذه الكتلة الواطئة مباشرة مع كتلة آخرى مرتدة عنها وبارتفاع عال، يصل الى 13 طابقاً، وهي تتشكل من ثلاث خانات، وعمقها يعادل مقياس "باع" معين، اختاره المعمار لتحديد "عمق" الكتلة البنائية التي يتعامل معها. تتقدم هذه الكتلة، عن كتلة ثالثة، تقع خلفها، الا انها اوطأ ارتفاعا منها بطابقين، أي ان ارتفاعها يصل الى  11 طابقاً، وبأربع خانات، في الجانب الأيمن منها، وبخانة واحدة تقع على شمالها. وانطوت معالجة الواجهة الخلفية لهذه الكتلة على تقسيمها الى ثمانية خانات. جدير بالإشارة، ان كل خانة من الخانات المتواجدة في الواجهتين: الامامية والخلفية، تكون محصورة ما بين امتدادين لجدارين آجريين. لكن ما يميز ذَيْنِكَ الامتدادين الآجريين، هو تنوع ابعاد امتدادها، واختلاف ارتفاعاتها. لقد سعى المعمار وراء ان تكون سطوح واجهات الخانات في كلتا الواجهتين، ذات "موتيف" تصميمي متماثل، لكنه غير متطابق تماما: ثمة جدار آجري يعمل بمثابة "شاشة" Screen، "منقوش" عليه عقد اصم بأطوال متباينة، تحيط به من الجانبين فتحات طولية بامتداد علو الطابق، كناية عن نوافذ تضيء الأحياز الواقعة خلف الجدار/ الشاشة. يختم المصمم نهايات الخانات/ “الباعات"، كما أسلفنا، بعقود نصف دائرية خرسانية بارزة، مصبوغة باللون الأبيض، تنهي تدفق تكوينات الواجهات وحركة جريانها.
وفي العموم، فان معمار مبنى الاتصالات ينزع الى النأي بعيدا عن تكرار الشكل الذي بات تقليديا لهيئات المباني العالية، المتشكلة من كتلة متوازي مستطيلات منتظمة، يعيد فيها الطابق هيئته نفسها على امتداد جميع الطوابق التي تشكل ارتفاع ذلك المبنى، مقترحا لنا حله التكويني المتفرد، بتجزئة الكتل، وتباين مواقعها، خالقاً بذلك "فورماً" تصميمياً على قدر كبير من الاثارة والنضارة، تائقاً الى جعل "ضجيج" المعالجات التصميمية لواجهاته متساوقة مع ضجيج عمارة الشارع التي يعج بها. بيد ان "الضجيج" الذي اجترحه المعمار، هنا، في مبنى الاتصالات، يبقى ضجيجا مبتدعا بتعمد ومسيطر عليه، وربما ارتقى ليكون احدى الإضافات المميزة لعمارة الأبنية العالية لجهة تنويع هيئاتها التصميمية، ذلك التنويع الذي نرى فيه توظيف عناصر، تستدعي بحضورها ذاكرة المكان وعبق ذائقته الجمالية. وإذ نحن بصدد الحديث عن عمارة المبنى، وددنا ان يكون ثمة اهتمام كافِ "للتفاصيل"، التي ينظر لوجودها في معالجات واجهات المبنى، كمعادل تكويني أساسي، لنزعة اصطفاء مقاربة التعامل الكتلوي الشاملة، التي اعتمدها المعمار في صياغة تلك المعالجات، والامر اللافت، هو غياب الاهتمام “بالشأن التفصيلي" وخصوصا لمادة (وهي ،هنا، الآجر) يستدعي حضورها في الذاكرة، فيضاً من التفاصيل المبهرة، التي لطالما وفرتها طبيعة تلك المادة الانشائية المدهشة، التي تستلزم صوابية استخدامها معرفة دقيقة وضرورية في أساليب عمل "القفلات"، والبدايات، وكذلك في تحديد تنوع اشكال الانتقالات في ذلك الاستخدام. ونرى في هذا الغياب، قصورا، غير مسوغ، كان يمكن لحضوره ان يثري عمارة المبنى ويضفي عليها ألقاً زائداً، مضفياً اليها متعة بصرية، تستحقها، سيما وان المعمار اعتمد، ولا بأس من التكرار، على مقاربة تكوينية تتعاطى بشمولية واضحة مع استخدام العناصر التصميمية التي كانت بحوزته. ويبقى مبنى الاتصالات في الرشيد، بلغة عمارته المميزة، وأسلوب تنطيق كتله العديدة وطريقة توقيعها في المكان، حدثاً تصميمياً مهماً وناصعاً في منتج العمارة المحلية والإقليمية على حدِ سواء.
والمعمار رفعة كامل الجادرجي، مصمم "مبنى الاتصالات"، الذي تحتفل الاوساط المهنية والثقافية في "تسعينيته" في هذا العام 2016 (هو المولود في 6/12/ 1926 ببغداد)، ومقالنا هذا، هو من ضمن مقالات آخرى مكرسة لتلك المناسبة، أنهى تعليمه المعماري من مدرسة "هامر سميث للفنون والاعمال" (1946-52) بلندن / المملكة المتحدة، عاد الى العراق، واشترك مع عبد الله إحسان كامل وإحسان شيرزاد، في تأسيس مكتب "الاستشاري العراقي" (1953). وسبق ان تحدثنا عن سيرته المهنية في حلقات سابقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram