TOP

جريدة المدى > عام > صورة غدافية قاتمة للحياة العراقية..حياة شرارة في روايتها "إذا الأيام أغسقت"

صورة غدافية قاتمة للحياة العراقية..حياة شرارة في روايتها "إذا الأيام أغسقت"

نشر في: 22 أغسطس, 2016: 12:01 ص

(1 - 2)أثناء استقرائنا لحيوات عديد المشتغلين في عوالم البحث والكتابة, وجدت من وجهوا جهودهم, نحو مجال معين, فإذ اختص الأديب اللبناني جميل جبر بدراسة حياة الأديبة مي زيادة ونتاجاتها, فإن الباحث التونسي أبو القاسم محمد كرو(1924- 2015) قد أوقف جهده لدراس

(1 - 2)

أثناء استقرائنا لحيوات عديد المشتغلين في عوالم البحث والكتابة, وجدت من وجهوا جهودهم, نحو مجال معين, فإذ اختص الأديب اللبناني جميل جبر بدراسة حياة الأديبة مي زيادة ونتاجاتها, فإن الباحث التونسي أبو القاسم محمد كرو(1924- 2015) قد أوقف جهده لدراسة الشاعر أبو القاسم الشابي (توفي/9/10/1934) فضلاً عن اهتمام الباحث المصري عامر العقاد(1936-1985) بإرث عمه عباس محمود العقاد (توفي/1964) ويجب ان لا ننسى شغف الباحث العراقي يعقوب إفرام منصور واهتمامه بإبداعات جبران خليل جبران (توفي/ 10/4/1931) وكذلك اختص المترجم السوري الضليع الدكتور سامي الدروبي (1921-1976) بنقل روايات ثيودور ديستويفسكي (توفي /9/2/1881) إلى العربية, بعد أن بدأ جهده الترجمي بثلاثية "الدار الكبيرة" للجزائري الكاتب بالفرنسية محمد ديب (1920- 2003), وإذ أنجز الدروبي ترجمة إرث ديستويفسكي  كاملاً, فإن الردى لم يمهله كي ينجز ترجمة إرث تولستوي كله, فما ان بدأ بذلك  حتى غادر الدنيا, فإن للأديبة والأستاذة الجامعية الدكتورة حياة (محمد) شرارة قد وجهت اهتمامها نحو إبداعات الأديب الروسي الشهير إيفان تورجنيف (توفي 1883) فنقلت للعربية رواياته: (مذكرات صياد) و(رودين) و(عش النبلاء) قبل ان يطويها حِمام الموت في الأول من آب / 1998, في حادث تعددت الروايات فيه.
فضلاً عن الترجمة, اهتمت الأديبة حياة شرارة, بالبحث والكتابة, فنشرت عديد الدراسات في مجلات: الأقلام, والآداب, والعربي, والثقافة الأجنبية, وآفاق عربية, والثقافة التي تولى إصدارها بجهد شخصي مضنٍ أستاذي الدكتور صلاح خالص تعاونه عقيلته الدكتورة سعاد محمد خضر, وكذلك مجلة كلية آداب جامعة بغداد, فضلاً عن اهتمامها بجمع إرث أبيها الكاتب المُقِل محمد شرارة, ونشره.

بحث عن كتابات الأب الراحل
إذ أمضت الساعات الطوال في أروقة المكتبات العامة, بحثاً وتنقيباً وتنقيراً في الجرائد والمجلات القديمة, عن كتابات الأب الراحل, الذي ما جمع كتاباته الرصينة, بل تركها ثاوية في بطون الجرائد, فكان الجهد. جهد البحث عنها وتهيئتها للنشر مضنياً وعسيراً, ومن نتائج هذا الاعتكاف المعذب والممتع في آن معاً, أن تمتعنا بقراءة كتابه القيّم (نظرات في تراثنا القومي) الذي أصدرته الدكتورة حياة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت سنة 1982, وفي الكتاب هذا مقالات ودراسات تراثية قيمة, أفصحت عن إمكانات قلم أديب متمكن, كان سيكون له أثرٌ متميز لولا العصف السياسي الذي عاشه العراق, كما نشرت (حياة) كتابه الثاني عن الدار عينها سنة 1981, والموسوم بـ (المتنبي بين البطولة والاغتراب) الذي لم أحظَ بالعثور عليه, واضعين في الحُسبان, شغف (حياة) بأبيها وتأثرها بسلوكه الحياتي وأخلاقياته, ولقد زاد هذا الشغف, حين عاد أبوها من لبنان عام 1976, وسكن معها لمدة تقرب من الثلاثة أعوام, حتى وفاته المفاجئة في 11/ تموز/ 1979, مما ترك في نفسها أسوأ الآثار, وهو "الحدث الذي لم يكن أحدٌ منا يتوقعه [ كما تقول شقيقتها بلقيس شرارة في مقدمتها الضافية لرواية (إذا الأيام أغسقت) والتي امتدت إلى ثمان وثمانين صفحة, التي هي جزء من السيرة الذاتية لأسرة محمد شرارة, وستزيدها إضاءةً في كتابها الذي نال اهتمام القراء, وكان اكثر الكتب مبيعاً عام 2015 والموسوم بـ (هكذا مرت الأيام)] فقد أحدث فراغاً كبيراً في حياتنا, كانت أحاديثه المتنوعة الحلوة, الشائقة وقراءته للشعر, تنسينا المتاعب التي كنا نمر بها, أنا وحياة, وبفقدانه, لم نفقد أباً حنوناً وإنما فقدنا صديقاً عزيزاً ورفيق فكر" ص45.
أديبة وباحثة, ومترجمة أمضت وقتاً طويلاً مع أجواء الروايات التي قرأتها أو التي ترجمتها, شاءت أن تجرب حظها في كتابة الرواية, لأنها وجدتها الأجدى والأقرب إلى نفسها, كي تبوح بمكنونات الصدر, وعذابات الأيام, التي تصب شواظ قسوتها على النفوس المرهفة الحساسة, فتحيل حياتها إلى جحيم لا يطاق, قد يدفعها إلى إنهائها قسراً, فكتبت (حياة) رواية, صبت في عنوانها, فضلاً عن متنها, كل عذابات الروح وخيباتها, فكانت (إذا الأيام أغسقت) فالحياة العراقية, تحيا غسقها وتلاشيها, منذ عقود, وتولت نشر روايتها هذه (دار المدى) بطبعة أشارت إلى أنها الأولى سنة 2011 في حين أن شقيقتها (بلقيس) في مقدمتها للرواية, تؤكد أن لها رواية لم تنشر أسمتها (وميض برق بعيد) والعنوان هذا, الذي هو ثريا النص وشعاره وعلاقته يفصح عن أجوائها.

حياة غدافية قاتمة
رواية (إذا الأيام أغسقت) والغسق كما تفسره معاجم اللغة هو: ظلمة أول الليل, إذن فأيام العراق مظلمة غَسِقَةٌ, الرواية التي جاءت على لسان الراوي المركزي, الدكتور نعمان, لتنقل للقارئ أجواء الحياة الجامعية في بغداد, وقد عصف بها الحصار, وما قبله الحرب الطويلة جداً, فأحالها ركاماً, وانحداراً في المستوى العلمي, فالأساتذة يشعرون بالسأم وضغط الحياة وجدبها, ووقوفهم صفوفاً وفي النسق, كي يحصلوا من الجمعية على بعض المواد الغذائية, والأكثر جلباً للأسى خضوعهم لما عرف بالوزن, ويعاقب إدارياً من يزيد وزنه عن الحد المقرر, وعمليات التجويع القاسية, التي يمارسها الفرد ضد ذاته رغم جوع الحصار, كي ينجو من العقاب, وينقل لنا الدكتور نعمان, صورة مؤسفة لضعف الإنسان, فترى الأستاذ الجامعي, وقد أعياه الحر, والجو الرطب الخانق انتظاراً لدوره في فحص وزنه, يلجأ لدخول غرفة الفحص عن طريق الشباك, متنازلاً عن منزلته العلمية والاجتماعية وكأنه صبي صغير.
وإذ تشهد الأسعار تصاعداً مريعاً بسبب تحطم قوة العملة العراقية فإن الكثير من الطلبة , ما عادوا يستطيعون تلبية متطلبات الحياة, من غير البحث عن عمل, أي عمل كان قد يلبي بعض حاجاتهم, فضلاً عن زجهم في معسكرات التدريب على السلاح في العطلة الصيفية, وإرسالهم الى جبهات الحرب, بعد أن زجوا في سنوات سبقت الحرب, بمعسكرات العمل القسري, الذي يسمى تجاوزاً بـ (العمل الشعبي) مستعيرين التجربة الستالينية والماوية في أعمال السخرة, وما ارتكبت في هذه المعسكرات من موبقات بسبب الاختلاط بل الاندماج مع الطالبات ولمدة أسبوع, الاختلاط والعزلة في تلك المعسكرات أنتجت جيلاً منفلتاً أخلاقياً ما زلنا نئن من إنفلاته.

من روايات الحيز الضيق
رواية (إذا الأيام أغسقت) من روايات ما يطلق عليه نقدياً, روايات الحيز الضيق, إذ أن أجواءها تدور في محيط الكلية, لا تكاد تغادرها, عدا انتقالات قليلة, لزيارة الدكتور أكرم, الذي أحيل إلى التقاعد, ونسيه زملاؤه وبالحري خوفهم من زيارته, فهو يعد أحد الوجوه الشاخصة علماً وبحثاً, وإعتزازاً بالذات وبالدرجة العلمية, ونأياً بآرائه السياسية عن اتجاهات القطيع, فنسوه, أو بالحري أنسوه وخافوا زيارته, عدا قلة منهم الدكتور نعمان, الذي يزوره بين آن وآخر خائفاً يترقب.
هذا السلوك المؤسف يترك ظلاله الكابية على حياة الدكتور أكرم وأحاسيسه, حتى انه يبوح بخلجات ذاته لصديقه وزميله, والذي كان أحد طلابه, الدكتور نعمان قائلاً:
- منذ أن فصلت من الكلية قبل شهر لم يزرني أحد, حتى أولادي لم يسألوا عني! لقد افتقدت أشياء كثيرة كنت أتصورها عادية لا أهمية لها: تحيات الصباح العابرة (...) وجوه الطلاب المصغية لمحاضراتي (...) كل تلك المظاهر التي كنت أرى من خلالها حياتي في الكلية بدت لي بحلوها ومرها, جميلة وعزيزة عليَّ" حتى أصبح تغيير ملابسه البيتية عندما يهم بمغادرة منزله حدثاً يجلب السرور لنفسه! تراجع ص156.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. kassim

    متذكراً ندوة أُقيمت في لندن عن الفقيدة وبحضور أقرباء الفقيدة اللذين ،صاروا نقاد وكانت أخت الفقيدة -ليست بلقيس -ولم تستطيع ان تقبل أكثر المداحين لها- أي الرواية-بأنها مادة أولية او -كرستة- للبناء الروائي. هذا كان رأي ز.الجزائري المتبرمك في المدح ،أما الأس

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram