اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > دار عم الطيب.. متحف خاص بغرائبية الانسان المعاصر

دار عم الطيب.. متحف خاص بغرائبية الانسان المعاصر

نشر في: 27 أغسطس, 2016: 12:01 ص

قد لا يعرفه الكثير من عشاق الفن في العالم وحتى في عالمنا العربي لكن ابناء مدينة (سوسة ) التونسية يكنون له احتراما كبيراً، فيطلقون عليه - العم الطيب -  حتى غدا من اهم العلامات الثقافية الحقيقية والمتميزة للمدينة رغم غرقها في طوفان الافواج السياحي

قد لا يعرفه الكثير من عشاق الفن في العالم وحتى في عالمنا العربي لكن ابناء مدينة (سوسة ) التونسية يكنون له احتراما كبيراً، فيطلقون عليه - العم الطيب -  حتى غدا من اهم العلامات الثقافية الحقيقية والمتميزة للمدينة رغم غرقها في طوفان الافواج السياحية واغراق اسواقها بفنون وصناعات شعبية استهلاكية تخدم اغراضا سياحية.

ذلك هو النحات التونسي (الطيب بلحاج احمد )  الفنان والانسان الطيب فعلا ، يستقبلك بوجهه الباسم وبسنوات عمره التي تجاوزت الستين وشعره المبيض بفعل السنين على باب محترفه الفني ومتحف فنه والذي كتب على بابه (متحف خاص للفن المعاصر ) لياخذك الى عالمه الغريب .. عالم خاص جدا .. قلما تشاهد مثله في العالم العربي ، يصف اعماله الناقد التشكيلي التونسي عمر الغدامسي بدت (وكأنها كائنات قادمة من كوكب آخر ).
تلك هي دار عم الطيب بباحتها وطابقيها تضم منحوتاته باشكالها العجيبة اذ يتألف بشكل غريب كل ما في الطبيعة من مواد لتتوالد منها اشكال نحتيه ، فمن ركام النحاس والحجر والرخام والفولاذ الى اطارات السيارات المطاطية مرورا بالخشب والقش والسيراميك بل كل ما يقع تحت يده من اشياء يوظفه في تكوين منحوتاته ، فهو يبحث في قابلية خواص المادة قبل تركيبها من اجل ايجاد صياغة شكلية لها تعطي ذلك الفيض من الايقاع التعبيري . مما يشعرنا بذلك العمق الاتي من رقة اللمسة النحتيه وعنفها في ذات الوقت وبشكل محسوب سلفا ، فقد يضع قبعة من القش الملون او معطف من الحرير على طاولة دون ان يغير في شكلها شيء او يطرق بكل عنف عبر مكابس حديدية ضخمة قطع النحاس ليخلق شكلا  مستفيدا من كل شيءموجود في حياتنا اليومية باقصى مدى ممكن . فهو يتواصل من خلال عنصر الحركة مع ذات المادة اذ يجهد ان لا يعبث بروح المادة بل يبقيها حيه كي تعبر عن نفسها .
ان كل ما موجود في هذا العالم عنده هو شكل ومادة ، وهو بالتاكيد يغلب الشكل حتى يغدو مضمونا قائما بذاته ، فلمسات السطوح عنده مشحونة بملامحها التعبيرية وانفعالاتها الكامنة .
ان ذلك القطع والجمع الكولاجي يشعرنا وكأنه اختراق لروح المادة لاستخراج معان جديدة مما يشكل رؤى متعددة تمس روح التلقي لدى المشاهد فاستخدامه لقبعة المقاتل المعدنية مكان الترس لمجموعة من السلاحف الزاحفة اوجمعه بين الخشب  والجلد لصنع نصب الانسان متعدد الوجوة والاتجاهات ،  وحتى تركه لاكواب الشاي واشياء اخرى – كما هي - داخل الاجساد البشرية المصنوعة من خردة الحديد او الاشكال الحيوانية والاقنعة وكل  تكويناته الحجرية فانها تحاول البوح ببعدها الدرامي ، محاولة الانتصار لقول فكرة ما لاتخفى على المشاهد كما في نحته لفصيل من الجنود بخوذهم الفولاذية وقد تقزموا بشكل لافت تحت ضغط ما  . فالعم الطيب يقف دائما وفي اغلب اعماله مع الانسان في استلابه فيعيد تشكيل صورته باشكال متنوعة تعكس معاناته والضغوط التي تمارس على انسانيته رغم روح المرح الظاهر للعيان في تجسيدها  وكأنه يرصد مساحات التصحر في الأعماق الانسانية . انه يحاول اكتشاف – جوهر – الاشياء بتوسيع دائرة التخيل فما نراه ليس تفسيرا لذات معينه بل جهدا فكريا واعيا  وغير واع اكتنزه الفنان بداخله وظهرعبر هذه المنحوتات المتنوعة الاشكال والتكوينات .  
فوعي الفنان يتراكم بميراث ضخم من الرؤى في تفاعل نوعي انتج اعمالا تمتاز بخيال خصب يعتمد على موروثه من الانثروبولوجيا الثقافية المغاربية والتي تعتمد ثقافة حكائية تمتاز بالاثارة حد النكتة والسخرية احيانا فاستخدمها كمعادل بصري مبتعدا بها عن المباشرة فظهرت معالجاته النحتية تحفل بسردية سريالية ذات ابعاد شعبية تعتمد التوظيف الجمالي للخصائص البنائية والفنية للخامات وعناصر التكوين ، متخليا وبشكل ارادي عن واقعية الاشكال الى تجريدية تجريبية كي يصل الى الالهام المباشر بالوصول الى ابسط التكوينات واكثرها اثارة وابتكارا .
ان اعمال  (عم الطيب ) تنشئ مدخلا لفنون الحداثة عبر تغير ما هو مرئي ، فرغم اختلاط الرؤى والمفاهيم لكن صياغات الفنان ووعيه يقدمان علاقة جدلية فنية ذات خصوصية متفردة بالعفوية تتأكد فيها رؤية ادهاش المشاهد ليصل الى قمة المتعة لأن عالمه وببساطة عالم حقيقي وغير حقيقي في ذات الوقت .. عالم غرائبي يستند الى العلاقة بين الانسان وما حوله فيحوله من مجموعة نماذج احادية مجردة الى مخلوقات تنهض على نفي هذه الاحادية وتتجاوزها الى تعدد الأصوات بما تقدم من ابعاد جديدة تمثل الدلالة التي تهيمن على حياتنا وما تطرحه من تساؤلات بلغة اشارية في اعلى مستوياتها لاعادة صياغة هذا الواقع . انها تنبض بحكمة دلالية انفتاحية قد تنبع من عبثية قصدية تترجم الاحساس بالتمرد الانفعالي الحاد للفنان وكما يقول البير كامو ( ان الفن هو صورة خالصة للتمرد الانساني ..) لذا نراه يوجه صرخه لهذا العالم  ، بانه موجود ويعبث بعفوية رغم كل شيء.. وها هو يعيد تشكيل العالم كما يشاء  عبر اعماله المتناثرة بفوضى مشتتة في ارجاء المتحف ، تحقق لها نظاما متسقا في وحدة وجدانية انفعالية وبفعل وعي مهيمن استطاع السيطرة على وعي الاخرين بالصدمة والدهشة التي هي وليدة ظروف واقعنا المعاش عكسها الفنان كي يوقظ فينا شيئا ما . فاعماله بغرائبيتها وغموضها ومغايرتها للسائد قدمت تجربة حداثية في خطاب النحت والتشكيل  التونسي  والعربي قد تدفع بالاخرين الى مزيد من الجرأة في ممارسة التجريب  ، فما الفن الا تجديد دائم لا يتوقف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. هدى اليافي

    السلام عليك فعلا انصف مقال الاستاذ محسن الذهبي الاكاديمي المختص بفنون الجمال عمنا الطيب وابداع مدينة سوسة التونسية العريقة ..

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram