TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عباس البياتي "البعثي" !

عباس البياتي "البعثي" !

نشر في: 27 أغسطس, 2016: 06:29 م

لم يُدهشني أو يثير استغرابي ما قاله العضو في مجلس النواب العراقي عباس البياتي في مداخلة له في المجلس أمس. هو إنّما عبّر في مداخلته القصيرة خير تعبير عن شخصيته والعقيدة السياسية التي يؤمن بها، وما كنت أتوقع منه إلّا ما سمعته. خلاف ذلك هو ما كان سيدهشني ويثير عجبي.
النائب البياتي، لمن لا يعرفه، كان من معارضي نظام صدام، وأنشأ في العام 1991 "الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق" الذي يُنظَر إليه بوصفه فرعاً لحزب الدعوة الإسلامية أو تابعاً له. ولم يزل السيد البياتي أميناً عاماً لهذا التنظيم منذ ذلك الوقت، ويبدو أنه سيبقى كذلك حتى مماته، فلم يعرف عن التنظيم عقد مؤتمرات عامة له على نحو دوري لتجديد قيادته، أيّ أنّ هذا التنظيم من النوع الذي تظل قياداته راسخة فيه "من المهد إلى اللحد". وللتذكير فقط فإن السيد البياتي هو صاحب التصريح الشهير في العام 2012 بأنه إذا مات السيد نوري المالكي (رئيس الوزراء آنذاك) فإنه سيجري استنساح المالكي بالاستعانة بآخر مبتكرات العلم والتكنولوجيا!
أظنُّ أنَّ هذه المعلومات مهمة لمن يريد أن يبحث عن تفسير لما قاله السيد البياتي في مداخلته القصيرة في جلسة مجلس النواب أمس. وما قاله البياتي بلهجة قوية ونبرة حادّة إنه لا يجب السماح بأن تكون هناك أكثر من نقابة في القطاع الواحد: نقابة واحدة للأطباء ونقابة واحدة للمهندسين ونقابة واحدة للصحفيين ونقابة واحدة للعمال.. وهكذا.
هذه فكرة ليست مُبتكرة بالطبع .. إنها فكرة بعثية بامتياز، بل هي فكرة تتبناها كلّ الأحزاب والأنظمة الشمولية الدكتاتورية، لأن التعددية النقابية كما التعددية الحزبية تناهض فكرة الواحدية النقابية والسياسية، والسيد البياتي لا يخون عقيدته الشمولية بطرحه فكرة النقابة الواحدة في مجلس النواب، فهو جزء من الإسلام السياسي الذي أثبت بالتجربة العملية أنه لا يؤمن بالديمقراطية، لكنه لا يمتنع عن اتّباع الوسائل الديمقراطية (الانتخابات مثلاً) بوصفها وسيلة لتحقيق هدف الوصول إلى السلطة. ولا يمكن لشخص مثل السيد البياتي أن يحكي غير ما حكاه في جلسة أمس البرلمانية، لأنه سيخرج عن ملّته (الإسلامية السياسية) الأُحادية الفكر.
السيد البياتي إذا لم يسمع أو لم يقرأ من قبل، فإنني مبلّغه بأنّ التعددية من الأسس الرصينة للنظام الديمقراطي، والتعددية لا تعني التعددية الحزبية حسب، فهي تشمل كلّ المجالات، بما فيها مجال النقابات. في الدول الديمقراطية جميعاً، من اليابان وإستراليا في أقصى الشرق إلى الولايات المتحدة في أقصى الغرب يوجد أكثر من نقابة في كلّ قطاع ولا يستطيع أحد، وبخاصة إذا كان عضواً في البرلمان أن يُصرّح بما صرّح به السيد البياتي أمس، لأنّه بكل بساطة لن يجد مَنْ يصوّت له في الانتخابات التالية.
 إذا كان السيد البياتي يؤمن عن قناعة بعدم ضرورة التعددية في مجال النقابات، عليه أن يتحلّى بفضيلة الاعتراف بأنه في الأساس لا يؤمن بالتعددية السياسية والحزبية، وأن هدفه النهائي إقامة نظام دكتاتوري شمولي شبيه بنظام صدام حسين الذي عارضه البياتي، ولا أجد الآن مبرّراً لمعارضته تلك، فما الفرق بين ما يفكّر به البياتي الآن وما كان يفكّر به صدام يوم كان البياتي يعارضه؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. أبو أثير

    من الطبيعي أن تسمع تصريح من نائب سبق له الحصول على الدراسات العليا في تخصصه ومن دون الضوابط التي تلزم على طالب الدراسات العليا توفرها لديه ... فهو مثلا قبل في الدراسات العليا دون حصوله على النجاح في أمتحان التوفيل الذي يخضع له طالب الدراسات العليا أضافة

  2. ياسين عبد الحافظ

    اؤيدك في النظرة والتحليل ، واعتقد ان صاحب مشروع العراق الجديد لم يغب عن باله الموضوع، وحين قلب الامر من جميع وجوهه لغرض وضع استراتيجية للتغيير ، لم يكن امامه ولا ارى اني نفسي ماكنت الا لاضع نفس الخطة والسيناريو الذي نشهده اليوم والذي يقوم على اساس بسيط

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram