TOP

جريدة المدى > عام > قصة قصيرة: الحدس

قصة قصيرة: الحدس

نشر في: 29 أغسطس, 2016: 12:01 ص

انت تعرف كيف تقرأ افكار الناس ..وهذا –وحده- يؤهلك لتعرف حاجاتهم ..تعرف دقائق امورهم وكأنهم كتاب مفتوح .انا اسمي هذا الموضوع فراسة ..وانت تسميه (حدس) واعتقد ان هناك رابطا بين الفراسة والحدس على الاقل في المعنى ...اذكر مرة ، انني قرأت عن احد المت

انت تعرف كيف تقرأ افكار الناس ..وهذا –وحده- يؤهلك لتعرف حاجاتهم ..تعرف دقائق امورهم وكأنهم كتاب مفتوح .انا اسمي هذا الموضوع فراسة ..وانت تسميه (حدس) واعتقد ان هناك رابطا بين الفراسة والحدس على الاقل في المعنى ...
اذكر مرة ، انني قرأت عن احد المتخصصين بالفراسة في كتب التراث ..انه شاهد رجلا يسير في السوق ، فقال :
-هذا معلم صبيان من واسط وقد ضيع خادمه الصغير ، عندما سألوا الرجل كيف توصل الى هذه المعلومة الدقيقة ..قال : يوجد تراب أحمر على جبته وهو تراب واسط ..وكان لايتحدث مع الرجال وانما يتحدث مع الصبيان ويصف خادمه الصغير ، فهو اذن "معلم صبيان" ، اما انت فقد كنت تحدد مهنة من تراه وتحدس احيانا هدف من تراه وهذا ماقادك الى معرفة حاجات الناس ..كنت تؤسس وتخطط للوصول الى هدفك وكنت تحدد ثمن خدماتك والتي تعتقد انها ليست مرتفعة..
وهذه المرة كنت دقيقا وواضحا وكتوما في الوقت ذاته ..فقد ذهبت في الصباح الباكر الى وزارة الداخلية وهناك استقبلك صديقك " ابو نزار " لتتسلم منه نسخا من كتب صادرة من وزارة الداخلية للتعيين في المنشآت الحيوية ..كان الموضوع بسيطا وسهلا لم يكلفك الكثير من الجهد ..
وعندما جلست في النادي راجعك اصحاب الحاجات وطالبوا بالتعيين ...اوضحت لهم الأمر بعد تقديم الفايل الذي يحتوي على المستمسكات  "الذهبية" الاربعة تضاف اليه خمس اوراق من فئة المئة دولار ..واذا لم تتوفر الورقات الخمس جعلها اربع او ثلاث ...
وقد ذكرت لقاضي التحقيق انك كنت تؤدي خدمة لطالبي التعيين مقابل هدايا بسيطة ، ولكنك لاتعلم ان " صديقك " قد خانك ..وكان الجميع يرفعون ايديهم بالدعاء لك واصبح الموضوع مجرد روتين ..فقد كان الاصدقاء والمعارف يطرقون باب بيتك في اوقات غير مناسبة ، وكنت تجد لهم العذر ....لأنك تعرف بأن ارضاء الناس غاية لاتدرك ..
لكنك تؤمن بأن الخدمة التي تؤديها ستنقذ عوائل كثيرة من الجوع ، بعد ان يقوم من ستعينهم بالتسوق وملء اكياس النايلون بالفواكه والخضر والحلويات ..هل هي مجرد احلام واوهام ؟ ام انها حقيقة واقعة لاتقبل الجدل ؟ وعندما اكتملت الفايلات ذهبت منذ الصباح الباكر الى صديقك في وزارة الداخلية ..سلمته الفايلات واعطيته نصف ما تسلمت من الاوراق الخضر من فئة المئة دولار ..وقبل توديعه سألته عن موعد التعيين فاجابك بأن الموعد قريب واقرب مما تتصور ..بعد ايام راجعك اصحاب الفايلات والراغبون بالعمل في المنشآت الحيوية فاضطررت لمراجعة صديقك في الوزارة ثانية ..وثالثة ..ولأن حدسك قوي ، فقد بدأت تحس ان صديقك بدأ يتهرب من المواجهة واحيانا يعتذر بكثرة اشغاله .ثم اعلن زملاؤه عن نقله الى دائرة اخرى من دوائر الوزارة ..وبدأ الناس يحاصرونك في كل مكان ، ما اضطرك للغياب عن البيت وقفل الموبايل وعدم التواجد في الأماكن التي اعتدت على التواجد فيها ..وعندما عثر عليك احد المزعجين اضطررت لابراز كتاب وزارة الداخلية الموجه للقوى الساندة ...
وفي منتصف الليل ، اوقفتك احدى سيارات الشرطة وطالبوك بابراز هويتك ، فاضطررت لتنفيذ الأمر ..
في الصباح ، وجدت نفسك موقوفا مع مجموعة من الناس الذين كنت تنظر اليهم نظرة احتقار ..وفي اليوم التالي اقتادوك الى قاضي التحقيق الذي واجهك بمجموعة من التهم في مقدمتها تزوير كتب صادرة عن وزارة الداخلية ثم استعمال هذه الكتب المزورة ..
كنت تعتقد انك خدعت ..وانك مغفل ، لكن قاضي التحقيق لم يصدق كل ماقلت .وبقيت تنتظر المحكمة لتعلن للقاضي انك بريء وانك تنكر كل ماقلته في التحقيق ..
وجاء موعد المحاكمة ، وعندما سألك القاضي بعد مطالعة المدعي العام ..هل انت مذنب أم بريء ، قلت انك بريء وان كل ماذكره المدعي العام حول اعترافاتك في التحقيق كان كاذبا وقد حصلوا عليه باساليب وحشية ..
وماحكاية الفايلات التي تسلمتها من الناس الذين اعتقدت انك تساعدهم وسلمتها فيما بعد الى صاحبك في وزارة الداخلية ..
افاد الشاهد الأول بانه سلمك فايل وخمسمئة دولار وافاد الشاهد الثاني بأنك "تساهلت" معه واخذت منه اربعمئة دولار ..في حين قال الشاهد الثالث انك تسلمت منه ثلاثمئة الف دينار عراقي مقابل وعد بالتعيين ..وكان قرار القاضي حاسما ..فقد حكم عليك بالسجن ثلاث سنوات لتزويرك كتابا صادرا عن وزارة الداخلية وحكم عليك بالسجن سنتين لأنك زورت كتابا آخر ..
ثم تتابعت الاحكام عليك ..سنة واحدة عن جريمة استعمال الكتاب المزور ثم سنة اخرى لاستعمال كتاب مزور آخر ..واصبح مجموع سنوات الحكم ثماني سنوات ستقضيها في أحد السجون وكأنك تدخل فندقا من فنادق الخمس نجوم!! وكان حدسك وفراستك قويين في كل مرة ، لكنك هذه المرة اخطأت فدخلت السجن ترافقك دعوات الناس المساكين الذين استحوذت على مدخراتهم بالعذاب الشديد وسوء العاقبة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram