TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العضّ البرلماني!

العضّ البرلماني!

نشر في: 28 أغسطس, 2016: 06:56 م

الشاعر الساخر والصحفي الملّا عبود الكرخي، ظاهرة قلّما تتكرّر في عالم الشعر ودنيا القلم والكتابة، فقد عاش الرجل رحلة طويلة بمفارقاتها وصراعاتها فاستطاع من خلالها الغوص إلى قاع المجتمع حيث البسطاء من الناس وهموم الحياة واللهاث وراء أبسط متطلبات الحياة.
عاصرَ حربين عالميّتين، وكان شاهد عيان على أحداث وسنوات جسام، ظل فيها حاضراً بشكل يومي ليصبح بجدارة ضمير شعب بكامله، من خلال قصائد ساخرة أصبحت ملاذ الناس ومضرب أمثالهم.
في بدايات القرن الماضي عندما لم يجد الكرخي في مجلس النواب حينذاك، مَن يمثّل الشعب بشكل صادق وحقيقي، كتب فيهم قصيدة أصبحت مثلاً حتى يومنا الحاضر عنوانها " قيّم الركَاع " يقول فيها:
برلمان أهل المحابس والمدس..عكب ما جانوا يدورون الفلس
هسة هم يرتشي وهم يختلس..ولو نقص من راتبه سنت انعقج
قيّم الركّاع من ديرة عفج
في هذه الأيام نتذكر كبير الساخرين وجليس الضعفاء، ونحن نشاهد ونسمع نواباً و" نادبات " لايملكون من مؤهلات السياسة سوى " العض " والشتائم جاهزة وجهل مطبق وتام.
هكذا تحولت الديمقراطية في العراق من ممارسة حضارية تستند إلى القانون، ووسيلة لخدمة الناس إلى حروب ومعارك شيطانية لتكتب في النهاية شهادة وفاة للعراق وتخرجه من التاريخ المتحضر لتضعه في قاع الهمجية والتخلف والعصبية القبلية، عروض ملّت منها الناس، لأنها تحولت شيئا فشيئا من مباراة في السياسة إلى مقاطع كوميدية رخيصة في صالات عرض من الدرجة الثالثة.
مَنْ يريد لعائلته أن تتفرج وترى ماذا يحدث في البرلمان، حين تقدم نائبة على عض زميلة لها، لم تجد هي ايضا حرجا في ان تمسك بشعر " العضاضة ".
كنتُ أنوي اليوم أن أكتب عن ملاك من ملائكة هذا العصر، وأعني بها المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، ولكنني أخشى ان يقول البعض: لقد صدّعت رؤوسنا بأحاديثك العجيبة عن هذه المراة البدينة،. ياسادة هذا ما يفترض ان نكتب عنه، تأملوا حياتنا، فعمّاذا نكتب؟ تأملوا معي السذاجة السياسية وغياب العدل والقانون، ورائحة الكذب التي تخرج من أفواه المسؤولين.
تواجه السيدة ميركل أمكانية عدم الفوز بولاية جديدة، ليس بسبب سوء إدارتها الاقتصادية، فهي اليوم القوة الاقتصادية الاكبر في أوروبا، ولا بسبب ضعف الخدمات، او المشكلات السياسية، وإنما بسبب سماحها لأكثر من مليون لاجئ العيش بأمان في ألمانيا وعطفها على البائسين.
ظلّت ميركل تؤكد أنّ التسامح والمحبة والعمل الصادق هي التي تبني المانيا قوية.. يحزننا ياسيدتي العظيمة أن نقول إن الحقيقة لدينا هي مجرد " عضات " برلمانية "، ورحم الله الملا عبود الذي قال ذات يوم ساخرا:
حطوا علينا نوبجي.." فنجان" ما يفهم حجي
أحمق ملعب سختجي..أمعفص امقعمر قمعري

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. الاسم بغداد

    أستاذ علي حسين رحم الله هذا الشاعر والصحفي الملاّ عبود الكرخي ولو كان حاضرا اليوم في بغداد ونحن الآن في آب اللّهاب سنة ٢٠١٦ من القرن الواحد والعشرين وشاهد منظر هؤلاء الغجر في برلمان الهرج والمرج في المنطقة الخضراء وشاهد همجيتهم ووحشيتهم ومنظر السحلية عواط

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram