TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الحلّ الموغابي يناسبنا !

الحلّ الموغابي يناسبنا !

نشر في: 29 أغسطس, 2016: 06:04 م

الدكتاتورية، بكل أنواعها، سيئة، والدكتاتوريون جميعاً سيئون للغاية، بيد أنه يحصل أحياناً أن يأتي الدكتاتوريون بأفعال لا تشبههم، قناعةً أو اضطراراً.
على سبيل المثال، إنّ نظام البطاقة التموينية المعتمد منذ عشرين سنة، كان يعمل في عهد صدام على نحو أفضل بما لا يقاس مع عمله في عهدنا "الديمقراطي" الحالي.. في العهد المباد كانت الحصة تصل بانتظام شهرياً بواقع 16 مادة، فيما الآن يتعثر التوزيع ويتأخر أشهراً وعدد المواد المُوزّعة لا يتجاوز الأربعة! (اسأل عن الفساد الإداري والمالي في وزارة التجارة في عهدنا "الديمقراطي" وفتّش عن فاسديها ومفسديها لتكتشف السرّ).
في الأيام الأخيرة أصدر دكتاتور زيمبابوي، روبرت موغابي، قراراً بمعاقبة أعضاء البعثة الأولمبية لبلاده إلى دورة ريو دي جانيرو في البرازيل للألعاب الأولمبية، لأنّ البعثة المكوّنة من 31 عضواً رجعت الى البلاد بخفيّ حنين!
موغابي اتهم أعضاء البعثة بتبذير المال العام، لأنهم لم يحققوا أي منجز يتناسب مع ما أُنفِق عليهم من أموال للمشاركة في هذه الدورة، وأعلن أنه سيتخذ قراراً بالقبض عليهم وإبقائهم في الحبس حتى يعيدوا الى الخزينة العامة ما أُنفق عليهم! وقال مخاطباً أعضاء البعثة "إذا لم تكونوا مستعدّين للتضحية أو الحصول على ميداليات من نحاس أو من الزنك، مثلما فعل جيراننا في بوتسوانا، فلماذا ذهبتم إذن لتبذير أموالنا؟"، مشدداً على أنّ البلاد لم ترسلهم الى البرازيل لمجرد الظهور في العرض الافتتاحي ورفع العلم الوطني، وإنما للفوز في المسابقات والحصول على الميداليات، وقال إنه لو كان الهدف من المشاركة يقتصر على الاستعراض "لأرسلنا راقصاتنا الجميلات بدلاً منكم".
هذا المثال "الدكتاتوري" مناسب لنا تماماً هنا في العراق. إنه يحلّ لنا مشكلة عويصة.
 نحن ننتخب إلى البرلمان 328 نائباً وإلى مجالس المحافظات نحو 600 عضو، وندفع لهم صاغرين رواتب ومخصصات كبيرة ونمنحهم امتيازات تزيد من قوتهم ونفوذهم، الأمر الذي يستغله معظمهم في الحصول على المزيد من المال والسلطة والنفوذ، بالطرق غير المشروعة في الغالب. والحال كذلك مع الوزراء ووكلائهم ورؤساء المؤسسات ومدراء الدوائر وأعضاء الهيئات "المستقلّة"، لكنَّ حصيلة كل هذا تأتي سلبية في معظم الحالات.
الأوضاع في البلاد يتفاقم تردّيها عاماً بعد آخر، وكذا أحوال الناس. هذا دليل على أنّ "استثمارنا" في هؤلاء غير مجدٍ، فأعضاء الطبقة السياسية – الإدارية يعودون إلينا بعد كل رحلة انتخابات خالِي الوفاض، تماماً مثل أعضاء البعثة الزيمبابوية إلى الدورة الأولمبية الأخيرة. بل الأمر في حالنا أسوأ بكثير، ذلك أنَّ "لاعبينا" لم يكتفوا بما أُنفق عليهم من مال، بل لم يتورّع الكثير منهم عن مدّ أيديهم الطويلة إلى المال العام والخاص اختلاساً واستحواذاً.
من أين لنا بموغابي يحبس "لاعبينا" حتى يُعيدوا ما نهبوه في الأقل؟  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ياسين عبد الحافظ

    لا، لا ، لا اؤيدك بهذا ، الدكتاتورية لم ولن تنفعنا لا نحن ولا غيرنا ، يجب ان نتربى على المبادىء ، ونترك الانتهازية فهي وان كانت تغري بمردودها مثل ( موغابي) الا انها سرعان ما تلتوي لتاخذ الشكل الذي يريدها من يمسكها ، لا نتعجل الامور على الرغم من المرارة

  2. ام رشا

    استاذ عدنان المحترم اخيرا بدأت تقتنع بما كنا نؤمن به منذ زمن ..حضرتك سميتها الدكتاتورية وانا اسميها القوة المفرطه في تطبيق القانون لان العراقيون بطبعهم يحبون المشاكسه طبعا ليس الكل ولكن الغالبيه فتراهم يطبقون نظام المرور عندما يكون شرطي المرور حاضرا في ا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram