ما تزال نسبة الإقبال على تحديث البيانات الانتخابية ضعيفة في بعض المناطق ومعدومة في مناطق أخرى ، في الوقت الذي يحرص فيه المسؤولون على تحديث بياناتهم كوسيلة اعلامية لهم وللتشجيع على خوض الانتخابات كونها الوسيلة الأفضل لإصلاح مواطن الخلل في العملية السياسية وللسعي الى بناء العراق بعد تدميره بمعاول الفساد والأخطاء السياسية الفاحشة ..
يذكرني سلوك المسؤولين بذلك الرجل الذي جدَّ أولاده كثيرا وجازفوا بحياتهم وهم يغرفون من خيرات ( الفرهود ) حتى ملأوا خزانته الخشبية القديمة بالرزم المالية التي يصعب عدُّها بعد بيع غنائمهم ..وحين طلبوا من والدهم استغلال هذه الاموال في شراء سيارات لهم ليعملوا فيها بدلا من السيارات المسروقة التي باعها رفض ، كما رفض طلبهم منه ترميم المنزل وشراء أثاث جديدة ورفض مساعدتهم على الزواج ..عندها سألوه عما ينوي فعله بالمال فقال لهم: انه سيشتري لهم سيارة واحدة فقط وسيحتفظ بالباقي ليحج به الى بيت الله الحرام في الموسم المقبل معتقداً ان الحرام سيصبح حلالا ..
يعوِّل مسؤولو العراق إذن على الانتخابات من جديد لتمحو أفعالهم الماضية كما يعولون على عودة العديد من العراقيين لاختيارهم عملا بمبدأ ( الذي نعرفه خير من الذي لا نعرفه) او لأتضاح اجنداتهم التي ما زالت تداعب توجهات بعض العراقيين كاللعب على الوتر الطائفي او الدعوة الى الاصلاح وما شابه ، وقتها ، يصبح الحرام الذي انتهجوه طوال الدورة الانتخابية المشرفة على الانتهاء حلالا حين ينجحون بتبرير افعالهم للمواطنين ولن يكلفوا انفسهم بمكافأة مَن انتخبهم ...
في بلدنا ، لدينا الآن اتجاهان ...اتجاه تحركه الافكار المتطرفة والتعصب الطائفي والمصالح الفردية واتجاه آخر ينادي بالأفكار الخلاقة ويرفع الإصلاح والتغيير شعاراً له ، واذا كان الجهل يرافق الاتجاه الأول لأنه لا يقود إلا الى ُطرق مسدودة فالاتجاه الثاني يودي الى المجهول لأن " كل حديث عن الاصلاح السياسي مع الابقاء على المنظومة المعرفية القديمة والمفاهيم التقليدية انما هو نقش على ماء " كما قال المفكر السوري جورج طرابيشي ، ونحن اعتدنا مع كل انتخابات ان نرى الوجوه نفسها مع سماع تصريحات جديدة منهم لكنها تظل مجرد تصريحات ووعود كاذبة في الوقت الذي يواصل كل منهم السير على نهجه المعروف لكن الغاية تبرر الوسيلة بالتأكيد ولا ضير من بضعة تصريحات تعد ببناء عراق جديد خالٍ من الطائفية والتعنصر والفساد والمصالح والولاءات الخارجية ..انهم ينقشون على الماء اذن ، فنحن ندرك جيدا ان لا شيء من وعودهم سيتحقق ولن يحدث أي اصلاح سياسي ما داموا يحملون المفاهيم ذاتها ...
مع ذلك ، قد يزداد الإقبال على تحديث البيانات الانتخابية في الفترة المقبلة فنحن الخارجون من عهد دكتاتوري بامتياز ، ما زلنا نعتقد ان الخلاص في الديمقراطية ، ولكن الخلاص الذي ننشده لن يتحقق بديمقراطية شوهاء تحركها مصالح السياسة والدِّين والوجوه المكررة التي اعتادت ان تختزل الديمقراطية في مجرد (صناديق اقتراع )!
نقشٌ على الماءِ
[post-views]
نشر في: 2 سبتمبر, 2016: 09:01 م