تبدو موضوعة القراءة من المواضيع المهمة التي ترتبط بتأصيل الثقافة داخل المجتمع.. ومن هنا فإن أهمية القراءة تأخذ ديمومتها من حضارة المجتمع وتفاعل الناس في تفاصيل الحياة اليومية ومن ثم تأتي أهميتها من كون كينونة الانسان قد تم الحفاظ عليها وإنها مصانة في
تبدو موضوعة القراءة من المواضيع المهمة التي ترتبط بتأصيل الثقافة داخل المجتمع.. ومن هنا فإن أهمية القراءة تأخذ ديمومتها من حضارة المجتمع وتفاعل الناس في تفاصيل الحياة اليومية ومن ثم تأتي أهميتها من كون كينونة الانسان قد تم الحفاظ عليها وإنها مصانة فيكون فعل القراءة فعلاً مؤثراً لإدامة ما هو كائن من العلاقات الانسانية.. لذا يبدو السؤال.. متى تكون القراءة مهمة وفاعلة ؟ وما هي القراءة المنتقاة للفعل الانساني؟ وهل هي مقتصرة ومختصرة على نوع معين من القراءات؟ وهل المثقف القارئ بالضرورة له قراءات محددة ام يجب ان تكون القراءة مفتوحة ومطلة كل حقول المعرفة؟. واي القراءات مؤثرة ؟
الكتب الهامة
الروائي الأردني صبحي فحماوي يقول: إن القراءة تكون مهمة وفاعلة وهامة منذ الصغر، تحت باب "العلم في الصغر كالنقش في الحجر" واضاف ان القراءة تكون هامة إذا كانت الكتب المقروءة هامة ومفيدة فعندما كنت صغيراً فقيراً لم أستطع شراء الكتب والمجلات إلى أن ذهبت إلى جامعة الإسكندرية فبدأت أقرأ مختلف الكتب.واشار الى ان القراءة المنتقاة للفعل الإنساني مصدرها الكتب المنيرة للتصرف الإنساني سواء أكانت روايات أو مسرحيات أو كتباً فلسفية أو فكرية ولا أستبعد النهج الرومانسي الذي يخاطب الروح مع أنني كاتب واقعي وللتحايل على الواقع، أجدني أنهج نهج الواقعية السحرية، التي تقفز بك نحو الخيال، وهي تقصد الحياة الواقعية... وذكر ان القراءة لا تقتصر ولا تختصر فهي سماء مفتوحة على عالم من الغيوم والأمطار والشمس الحارقة والصحارى الجافة والبحار المتلاطمة والعنف والبراءة والرؤية والرؤيا..وعن تاثير القراءات قال الفحماوي إن أكثر القراءات تأثيراً في النفس هي ذات الأهوال والمفارقات التي تصحي الإنسانية في النفس، وتجعل العقل يفكر، هي الأغرب والأعجب، والأدهش والأكثر صقلاً للنفس البشرية، مثلما شذبت شهرزاد شخصية شهريار وصقلتها، لتخرج من جسده القاتل، ذلك الإنسان القوي المحب الرحيم.
القراءة والمعرفة
الناقد الدكتور عمار الياسري يرى ان القراءة هي عملية معرفية تقوم على تفكيك رموز تسمى حروفا لتكوين معنى للوصول إلى مرحلة الفهم والإدراك، وهي بالتالي جزء من لغة التخاطب واللغة بدورها هي وسيلة اتصالية كما يرى جاكوبسن..ويضيف ان اللغة تتكون من حروف وأرقام ورموز معروفة بشكل تداولي ومن ثم تواصلي بين الناس، لذا نستنتج ان القراءة هي وسيلة استقبال معلومات الكاتب أو المرسل للرسالة واستشعار المعنى.. ويتساءل الياسري عن ماذا نقرأ لبناء مشروعنا التواصلي؟ ويجيب ان السؤال يحيلنا الى المعلومات التالية، في عصر الانفوميديا ، والمعلومات المزدحمة التي تطالعنا يوميا ، أصبح لزاما علينا أن نقرأ كل يوم مئات ومئات من الصفحات، فلا يمكنك مواكبة نهر المعلومات الجاري إلا بالقراءة سواء اكانت المطبوعة او المرئية في الفضاء الافتراضي،والكل سيحتاج ذلك إن كان موظفاً في شركة أو مهندساً أو طبيباً وهكذا. ويرى ايضا ان القراءة تعد من أقرب السبل التي تغنيك بالمعرفة دون جهد كبير، مما يمكنك من البقاء على اتصال مع آخر المستجدات العامة، ولطالما كانت القراءة نافذة واسعة إلى عوالم الدهشة فضلاً عن السعة المعرفية التي ستحصل عليها منها، فالوعي في صيرورة مستمرة وآليات التلقي ما عادت نفسها.. ويرى ان هناك دورا بايولوجيا للقراءة، وقد اشارت بعض الدراسات ان قراءة الروايات المشوقة من أكثر المواد المقروءة تحفيزاً للدماغ، وتنشيطاً للمناطق المختلفة فيه، وان المحصلة النهائية للقراءة هي الثقافة، وتعتبر الثقافة بمثابة معيار لمعرفة الرقي الفكري والادبي والاجتماعي للمجتمعات.
القراءة والأداء الحياتي
الروائي نزار عبد الستار يعد القراءة هي المكمل الأغنى وهي المسؤولة عن تكوين الوعي شرط توفر الشمولية فاذا لم تكن القراءة متنوعة فإنها لن ترفع الوعي الى مديات عليا.وأضاف إن القراءة باعتبارها طقسا حياتيا يوميا وسلوكا اجتماعيا تكسبنا نموا عقليا وروحيا وتجعلنا ننتقل من منطقة وعي الى أخرى وتندمج كأداء عقلي الامر الذي يعطينا رجاحة فكرية ويقوي فينا قدرتنا على ادراك عمق الحياة والتفاعل في ايجابية مع محيطنا كما انها تمكننا كبشر من الوصول الى افضل اداء حياتي. ويمضي عبد الستار بالقول ان القراءة هي المسؤولة عن التفعيل الايجابي للمنطق وبالتالي فإن الكثير من الأوهام سيتم التخلي عنها حين ينضج التثقيف.ولفت انه ليست كل انواع القراءة مفيدة فمجتمعاتنا الشرقية تنتج فكرا تضليليا وتزويريا ولا تضع الضوابط للإنتاج الفكري والعاطفي المحايد وبالتالي فإن التخلف يمكن ان يتولد من قراءة سيئة.. ويبين اننا نعاني الان من طفح خطير في الزبد فالكتب ووسائل انتاجها تعاني الخلل ونجد الرثاثة قد طالت كل الميادين الفكرية والابداعية مع التراجع المشين في مجالات التعليم وهنا يمكن للمثقف لعب الدور التوجيهي من خلال النقد البناء وتبريز الفعل الابداعي السامي. لا يمكن باي حال من الاحوال صناعة امة فاعلة بلا ثقافة فالقوة تتولد من العقل والعقل يحتاج الى طبقات متعددة من الوعي وهذا لن يتحقق بلا قراءة جيدة.
الخزين المعرفي
الشاعرة اللبنانية فاطمة منصور تقول..كلما تعددت القراءات لكتب وبمواضيع شتى ازداد القارئ معرفة ووعيا وادراكا وأصبح ذا عقلية تستطيع المناقشة المسهبة المبسطة غير المتشنجة بكل موضوع يطرح للمناقشة مهما كان تخصصه وهذا ما نطلق عليه بالثقافة العامة المكتسبة والمتنوعة نتيجة هذا التعدد في القراءة التي صقلت وجلت ونشطت عقل وخيال القارئ وصولاً لتحقيق غاية خلق مجتمع إنساني مثقف ولو بالحد الأدنى من الثقافة. وتضيف ان تعدد القراءات بمواضيع وامور شتى تزيد من الخزين المعرفي والادراكي للقارئ وبذلك يكون إنسانا فاعلا في المجتمع الذي يعيش بين جنباته،، فضلاً عن رؤيتي في بعض الأحيان لمن يستغل ثقافته العامة لتضليل من يعيش بينهم بدوافع عدوانية أو منافع مادية مقيتة بدفع من غيره أو بدافع من خياله المريض وهنا تكون الثقافة ضارة بالمجتمع وبحدود قليلة ونادرة والمجال لا يسمح لتقديم الأدلة والبراهين
القراءة وحضارة المجتمع
الناقدة الجزائرية عزة الخزراجي تبدو لها موضوعة القراءة من المواضيع المهمة التي ترتبط بتأصيل الثقافة داخل المجتمع.. ومن هنا فان أهمية القراءة تأخذ صورتها من حضارة المجتمع وتفاعل الناس في تفاصيل الحياة اليومية ومن ثم تأتي أهميتها من كون كينونة الإنسان قد تم الحفاظ عليها إذ أنها مصانة فيكون فعل القراءة فعلا مؤثرا لإدامة ما هو كائن من العلاقات الإنسانية.. وتتساءل ماذا نقرأ؟ وخاصًة لم نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ أتكون القراءة وظيفية وقي مجال محدد لنيل شهادة علمية مثلا أم يجب أن تكون قراءة مستمرة حتى تفتح طريقا نحو الثقافة الشخصية المختلفة ويذلك يتحقق الغرض والهدف المرجو من القراءة العابرة للحدود الآنية الضيقة والمتجاوزة للغرض المحدد الظرفي.. وترى ان القراءة المسخرة لتحقيق غاية خاصة ومحدودية لا يمكن بحال من الأحوال أن تفرز المثقف المسؤول الحامل لرسالة حضاريًة وإنسانية كونية في صورته.. وتمضي بقولها. ان القراءة المنشودة الحق لها تجلياتها وصورتها الواضحة لا تكون إلا استمرارية وذات اتجاهات متعددة ولن تكون قراءة نفعية ذات هدف ضيق المدى والأفق حتى تكون بذلك من امارات المثقف.وتختتم قولها ان القراءة غير الموجعة توجيها براغماتيا وظيفتها الإنسانية والحضارية والكونية ليكون بالفعل خير جليس في الزمان كتاب.
فرض حياتي
الكاتبة منتهى عمران تعد القراءة فعل أمر لابد منه في كل مكان وزمان وبكل لون ومستوى ونوع ربما تبدأ بقصاصة ولا تنتهي بمجلدات.. وتضيف انها فرض حياتي يومي تتطلبه ضرورات متنوعة في حياة الانسان تتفاوت نسب الحاجة اليه وما متوفر من وسائل له.وتضيف ان هذا الفعل بلغ ذروته في الوقت المعاصر مع تسيّد تكنلوجيا الاتصالات بدءا بالهاتف النقال الى النت ومواقع التواصل الاجتماعي. وترى ان ما يتباين هو القدرة على القراءة كمية ونوعا. هنا تتحول الى شغف فطري لدى الانسان يخلق معه وامثال هؤلاء يمتلكون المطاولة في القراءة لحد يمكن اعتبارها موهبة, وعادة يسمى هؤلاء بالمثقفين. وتقول عمران ان الاختلاف في المستويات كما ونوعا لا يمكن حصره بدرجات معينة. القراءة لمجرد القراءة ليست بمفيدة بل عليها ان تتناغم مع الحاجات الفعلية للفرد والمجتمع لتنعكس عليه سلوكا وتطبيقا ليرقى بها فشعب يقرأ كثيرا هو شعب متطور وصاحب حضارة مهما كان للفعل الاقتصادي والسياسي من آثار على طبيعة الحياة تقدما او تخلفا فكثير من الشعوب غنية ماديا ومستقرة سياسيا لكنها فقيرة حضاريا لان فعل القراءة منتفٍ لديها والعكس صحيح ايضا.. وتمضي بقولها ان تنوع الحياة الثقافية مرهون بتنوع القراءة نفسها كلما كان المثقف موسوعيا في قراءاته كلما كان مبدعا اكثر في نوع فعالياته كالأدب والفن والعلوم وهذا ليس امرا حتميا أو مفروضا بالطبع فلكل منهم له اختصاصه الذي ينشغل به وربما يكون مفيدا اكثر ان يكون متخصصا لينعكس ذلك على نوعية عمله وبالتالي على حاجات مجتمعه.